في عالمنا المليء بالفروقات الفردية، يبرز سؤال لافت: هل يعيش الشخص الأعسر مشاعره بحدة أكبر من الآخرين؟
توصَّل باحثون في جامعة “أبيرتاي” الأسكتلندية إلى نتائج مفاجئة تؤكّد ذلك. فقد بيّنت تجاربهم أن الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى يتفاعلون عاطفيًا مع الخوف والغضب بشكلٍ أقوى من المستخدمين لليد اليمنى.
في هذه التدوينة، نستعرض لكِ تفاصيل هذه الدراسة بطريقة مبسطة. سنشرح كيف تؤثّر الأعسرية على المعالجة العاطفية، ونفسّر لماذا قد يشعر الأعسر بالأحداث بشكلٍ أعمق من غيره. مع العلم أنّنا سبق وأطلعناكِ على كيفيّة تحليل شخصيّة الطفل من خلال خطّ يده.
1- ما هي الدراسة؟ ولماذا تهمّكِ؟
بدأ الباحثون بتجربة علمية مع مجموعة من الأفراد، حيث استخدموا اختبار “ردة الفعل المفاجئة” (Startle Reflex). عرضوا على المشاركين صورًا مقلقة، وراقبوا كيف تفاعل الجسم فورًا، خصوصًا من خلال رمشات العين والارتجاف اللحظي.

سجّل الفريق استجابات أشدّ حدّة لدى الأشخاص العُسر، مقارنةً بغيرهم. لم تكن الاستجابة مجرد شعور مؤقت، بل انعكاس مباشر لطريقة دماغهم في معالجة الانفعالات.
هذه النتائج تهمّ كل أمّ، مربية أو شابة عسراء، لأنها تفتح نافذة لفهم الذات أو الأطفال بطريقة أعمق.
2- ما علاقة الدماغ بالأمر؟
يعمل الدماغ بشكل مقسوم إلى نصفين: الأيمن والأيسر. عند الأشخاص العُسر، يسيطر النصف الأيمن غالبًا على التفكير والتحليل العاطفي. وهذا النصف بالذات يؤدّي دورًا رئيسيًّا في تفسير الخوف، والحزن، والغضب.
عندما يتعرّض الأعسر لموقف مؤلم أو مشهد صادم، يتفاعل دماغه بقوة لأنه ينشط منطقة الدماغ المرتبطة بالمشاعر بشكل أسرع وأكثر عمقًا. لذلك، من الطبيعي أن يبكي الطفل الأعسر من فيلم أكثر من شقيقه، أو أن ترتبك المراهقة العسراء في موقف محرج أكثر من صديقتها.
3- هل هذا يعني أن الأعسر أضعف؟
أبدًا! بل على العكس تمامًا. إن حساسية الأعسر ليست ضعفًا بل موهبة عاطفية. لأنّ المشاعر العميقة تعني أيضًا قدرة أكبر على التعاطف، والإبداع، والارتباط الإنساني.
تُظهِر دراسات سابقة أن الكثير من العظماء، مثل ليوناردو دافنشي، وأوبرا وينفري، كانوا من العُسر. وهذا دليل على أن العمق العاطفي ليس عائقًا، بل أداة للتميّز والابتكار.
4- كيف يمكن استثمار هذه الحساسية؟
يمكنكِ تحويل هذه السمة إلى قوة إيجابية. إذا كنتِ أمًا لطفل أعسر، فراقبيه عندما يشعر بالحزن أو الفرح، ووفّري له مساحة للتعبير. ساعديه ليعبّر بالرسم، أو الكتابة، أو حتى التمثيل.
أما إذا كنتِ عسراء، فركّزي على نقاط قوتكِ: حدسكِ العالي، ورهافة حسّك، وصدق مشاعرك. لا تخجلي من دموعكِ، بل استخدميها لتتواصلي بشكل أعمق مع ذاتكِ والآخرين.
5- هل نحتاج إلى تغيير في النظرة المجتمعية؟
نعم، لا بدّ من إعادة تقييم الصورة النمطية حول الشخص الأعسر. فالوعي الجديد يجب أن يحتفي بهذه السمات العاطفية بدلًا من التعامل معها كعبء.
المدارس مثلًا يمكن أن توفّر مساحة آمنة للتلاميذ العُسر للتعبير عن مشاعرهم، وتشجيعهم على التعبير الفني، بدلًا من كبت مشاعرهم أو إسكاتهم.
كون الشخص أعسر لا يعني فقط اختلافًا في اليد المستخدمة، بل يحمل في طيّاته طريقة خاصة في التفاعل مع العالم.
يشعر الأعسر بالخوف والغضب والحزن وربما الفرح بشكل مختلف. وهذه ليست نقطة ضعف، بل خاصية فريدة تستحق التقدير. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن عادات صباحيّة تغيّر مستقبل طفلكِ.