كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد؟ هذا السؤال يُراود ذهن كل أمّ منذ الشهور الأولى في حياة طفلها. القلق طبيعي، خصوصًا مع انتشار الحديث عن اضطرابات طيف التوحد في السنوات الأخيرة. كل أمّ تتمنى أن تطمئن إلى أن تطوّر طفلها يسير في المسار السليم.
لكن كيف تعرفين؟ ما هي العلامات السهلة التي يمكنكِ مراقبتها؟ وما هي المؤشرات التي يجب أن تدفعكِ إلى استشارة مختصّ؟. في هذا المقال، سنشرح لكِ إشارات واضحة ومدعومة علميًّا، يمكنكِ ببساطة ملاحظتها في البيت. كما سنرشدكِ إلى خطوات التقييم الأولي، لكي تطمئني بنفسكِ أو تتحرّكي عند الحاجة.
ما هي علامات التواصل الاجتماعي الطبيعية؟
التواصل الاجتماعي هو من أهم المؤشرات التي تساعدكِ في الإجابة على سؤال: كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد؟
في عمر مبكر، حتى قبل أن يتحدّث الطفل، تظهر إشارات تواصل مهمّة. من بينها:
- ينظر الطفل إلى وجهكِ حين تتحدثين إليه.
- يبتسم استجابة لابتسامتكِ.
- يُصدر أصواتًا غير بكاء ليجذب الانتباه.
- يحاول تقليد تعابير وجهكِ أو أصواتكِ.
- يتفاعل مع الألعاب الاجتماعية مثل لعبة “الغميضة” أو التصفيق.
أثبتت دراسات عديدة، منها دراسة منشورة في مجلة Pediatrics (Zwaigenbaum et al., 2015)، أنّ نقص هذه السلوكيات في عمر الستة إلى التسعة أشهر يُعدّ من المؤشرات المبكرة لاحتمال وجود اضطراب طيف التوحد.
وبالتالي، عندما تراقبين هذه العلامات البسيطة وتجدينها موجودة، يمكنكِ الشعور بالاطمئنان بشكل مبدئي.
كيف يكون تطوّر اللغة لدى الطفل السليم؟
اللغة والتواصل اللفظي من العناصر المحوريّة. في عمر السنة إلى السنتين، من المفترض أن يبدأ الطفل بإصدار كلمات مفهومة، مثل “ماما”، “بابا”، أو كلمات بسيطة أخرى.
علاوةً على ذلك، من الطبيعي أن يحاول الطفل استخدام الإيماءات مع الكلمات، كأن يشير إلى لعبة أو يقول “هاي” وهو يلوّح بيده.
كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد؟ هنا يكمن جزء مهم من الإجابة: الطفل الذي يتفاعل لفظيًّا وإشاريًّا مع محيطه غالبًا يسير في نمط تطوّر طبيعي.
أما في حال غياب تام للكلمات في عمر السنتين، أو في حال وجود تكرار رتيب لكلمات غير مفهومة، فقد يكون هذا مؤشرًا يستحق الاستشارة. تؤكّد مجلة Journal of Autism and Developmental Disorders أنّ تأخّر الكلام واللغة هو من أبرز العلامات الأولى للتوحد (Landa, 2018).
هل يلعب طفلكِ بشكل طبيعي؟
اللعب هو نافذتكِ الذهبية لمراقبة سلوك طفلكِ. الطفل السليم يحب اللعب التخيّلي. على سبيل المثال، قد يُطعم دبّه اللعبة أو يُلبس عروسته ملابس.
أيضًا، يتفاعل مع أطفال آخرين، يراقبهم ويحاول تقليدهم. هذه مظاهر تُطمئنكِ بشكل كبير.
لو كان الطفل يلعب بشكل رتيب جدًّا (مثل تدوير العجلات باستمرار أو ترتيب الأشياء بنمط متكرّر دون هدف تخيّلي)، هنا ينبغي الانتباه.
كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد؟ أنظري إلى نوعية لعبه. التنويع والخيال والتفاعل الاجتماعي من المؤشرات السليمة.
ماذا عن الاستجابة للأوامر والانتباه؟
يستجيب الأطفال الطبيعيون في عمر السنة ونصف إلى السنتين عادةً إلى أوامر بسيطة مثل: “هاتِ الكرة”، أو “تعال إلى هنا”.
كذلك، ينتبهون إلى الأصوات البيئية مثل الجرس، واسمهم، أو نداء الوالدين.
لو لاحظتِ أن طفلكِ لا يستجيب لاسمه مرارًا، أو يبدو وكأنّه “في عالمه الخاص”، فهذا مؤشّر يستحق التقييم.
بيّنت دراسة نشرتها JAMA Pediatrics (Pierce et al., 2011) أن عدم الالتفات إلى الاسم في عمر السنة يُعدّ مؤشّرًا مبكّرًا هامًّا.
متى يجب استشارة مختصّ؟
رغم كل ما سبق، بعض الأطفال قد يتأخرون قليلًا بشكل طبيعي، من دون وجود توحد. لهذا السبب من الضروري مراقبة المجموعة الكاملة من المؤشرات وليس علامة واحدة فقط.
إليكِ متى يجب استشارة مختصّ:
- إذا لاحظتِ غياب أيّ نوع من أنواع التواصل الاجتماعي أو الانفعالي.
- إذا لم يكن هناك أي كلام أو إيماءات بعمر 18-24 شهرًا.
- إذا كان اللعب رتيبًا وغير اجتماعي إطلاقًا.
- إذا لم يكن الطفل ينتبه إلى اسمه أو لا يظهر استجابة للأصوات أو المثيرات الاجتماعية.
أهمّ قاعدة هنا هي: لو شعرتِ بالقلق، لا تنتظري. التشخيص المبكر يصنع فرقًا كبيرًا. وفق الجمعية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، كلما بدأ التدخّل مبكرًا، زادت فرص التحسّن والتطوّر.
هل يمكنني الاطمئنان من دون تشخيص؟
سؤال مهمّ، وترتبط إجابته بسؤالنا الأساسي: كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد؟
لو رأيتِ أن طفلكِ:
- يتواصل بنظره وصوته.
- يتجاوب معكِ ومع الآخرين.
- يظهر مشاعر واضحة.
- يلعب بطريقة متنوّعة وتخيلية.
- يستجيب إلى اسمه والأوامر.
عندها، غالبًا لا داعي للقلق المفرط. بالطبع، إن بقي لديكِ أي شكّ، الاستشارة ضرورية.
الخلاصة
في النهاية، يبقى سؤال كيف أعرف أن طفلي سليم من التوحد؟ مهمًّا وحسّاسًا لكل أمّ. من خلال المراقبة اليومية البسيطة يمكنكِ اكتشاف المؤشرات السليمة أو غير السليمة.
ضعي في بالكِ أن كل طفل يتطوّر وفق وتيرته، لكن وجود مجموعة من العلامات معًا هو ما يعطي الصورة الكاملة.
لو شعرتِ بالقلق، لا تترددي في طلب تقييم مختصّ في نموّ الأطفال. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف تعزّزين قدرات طفلكِ العقلية قبل النوم؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أعتقد أن وعي الأمهات حول هذه المؤشرات هو الخطوة الأولى والأقوى في دعم أطفالهنّ. من المهم ألّا نستسلم للقلق غير المبني على متابعة دقيقة. وفي الوقت نفسه، يجب ألّا نتجاهل إشارات واضحة عندما تظهر. الموازنة بين المراقبة اليومية والتقييم العلمي هي المفتاح الحقيقي للطمأنينة ولضمان أفضل مستقبل لأطفالنا.
