يُعتبَر تفسير زواج الزوج على زوجته موضوع حساس يثير قلق النساء وأسئلة كثيرة عن الأسباب التي تدفع الرجل إلى هذا القرار الصعب. في كثير من الأحيان، لا تكون الدوافع سطحية أو مادية، بل عميقة ترتبط بتركيبته النفسية، ونظرته إلى ذاته، وإلى العلاقة الزوجية. لذلك، من المهم أن نفهم هذه الدوافع بعمق، بعيدًا عن الغضب والانفعال، لمعرفة ما الذي يحدث فعلًا داخل عقل الرجل.
في هذا المقال، سنشرح بشكل علمي ومنهجي الأسباب النفسية وراء زواج الرجل من امرأة ثانية، وفق دراسات نفسية موثوقة، وسنحلّل كيف تؤثر شخصيته وتجاربه السابقة على قرارات. سنتناول الموضوع في خمس فقرات: الضغوط النفسية، والشعور بالنقص، والملل العاطفي، والدوافع الاجتماعية، وأخيرًا تفسير الخبراء النفسيين لهذا السلوك.
الضغوط النفسية وتأثيرها على قرارات الرجل
غالبًا ما يكون تفسير زواج الزوج على زوجته مرتبطًا بالضغوط النفسية التي يعيشها الرجل في حياته اليومية. الرجل، مثل المرأة، يتأثر بالمسؤوليات والضغوط. لكنّ المجتمع يطالبه دائمًا بأن يكون قويًّا، متماسكًا، وقادرًا على التحمل من دون شكوى. ومع مرور الوقت، قد يشعر بأنه فقد ذاته وسط هذه المتطلبات.
عندما لا يجد الرجل دعمًا نفسيًا كافيًا في بيته، قد يبحث لا شعوريًّا عن متنفس خارجي يعيد إليه الشعور بالقيمة والاهتمام. بعض الدراسات في علم النفس الاجتماعي، مثل دراسة جامعة “إلينوي” عام 2018، تشير إلى أن الرجال الذين يعانون من نقص في التواصل العاطفي يميلون أكثر إلى البحث عن علاقة جديدة كآلية للهروب من التوتر الداخلي.
إذًا، المسألة ليست خيانة عاطفية بقدر ما هي محاولة نفسية لاستعادة توازن مفقود. ومع ذلك، لا يمكن تبرير السلوك، بل يجب فهمه لمعالجة جذوره لا نتائجه فقط.
الشعور بالنقص والرغبة في إثبات الذات
كثير من الرجال الذين يتخذون قرار الزواج الثاني يعانون من شعور خفي بالنقص. يرتبط تفسير زواج الزوج على زوجته هنا بحاجة الرجل لإثبات قدرته، أو تأكيد رجولته أمام نفسه والمجتمع. تظهر هذه الحال عادة عند الرجال الذين يعيشون أزمات منتصف العمر. حيث يبدأون بمراجعة إنجازاتهم، ويقارنون أنفسهم بغيرهم.
بحسب دراسات علم النفس التحليلي، كما ورد في أبحاث “سيغموند فرويد” وامتداداتها الحديثة في “Journal of Personality Research”، يعاني بعض الرجال من ما يسمى “أزمة الهوية الذكورية”. وهي فترة يشعر فيها الفرد بأن إنجازاته لم تعد كافية لتأكيد قيمته الذاتية. لذلك، يلجأ إلى علاقات جديدة تعطيه شعورًا زائفًا بالقوة والتجدد.
ومن الملاحظ أن هذا السلوك لا يرتبط دائمًا بخلل في الزوجة الأولى. بل في ضعف الصورة الذاتية لدى الرجل نفسه. فهو لا يبحث عن امرأة أخرى بقدر ما يبحث عن نفسه في مرآة جديدة.
الملل العاطفي وفقدان الشغف داخل العلاقة
من الأسباب الشائعة أيضًا في تفسير زواج الزوج على زوجته هو الشعور بالملل أو الرتابة في الحياة الزوجية. فبعد سنوات طويلة من الزواج، قد يفقد الطرفان عنصر المفاجأة والاندفاع العاطفي الذي كان حاضرًا في بداية العلاقة. يحتاج الرجل بطبيعته إلى التحفيز والتجديد ليشعر بأنه ما زال مرغوبًا ومهمًا.
تشير دراسات علم النفس الأسري إلى أن الأزواج الذين يتوقفون عن التواصل العاطفي واللفظي مع شركائهم يعانون من تراجع في الرضا الزواجي بنسبة تفوق 60%. هذا الانفصال العاطفي قد يدفع الرجل، الذي لا يعبّر عن مشاعره عادة، إلى البحث عن بديل خارجي يمنحه ما افتقده من تفاعل ودفء.
إذًا، الملل لا يعني انتهاء الحب، بل ضعف التعبير عنه. وهنا، يظهر دور الحوار بين الزوجين في تجديد العلاقة. فالعلاقات الناجحة ليست التي تخلو من التحديات، بل التي تتجدد رغمها.
الدوافع الاجتماعية والثقافية وتأثير البيئة
في بعض المجتمعات، يُعدّ الزواج الثاني سلوكًا مقبولًا اجتماعيًا أو حتى دليلًا على المكانة. لذلك، يمكن أن يرتبط تفسير زواج الزوج على زوجته بالعوامل الاجتماعية والثقافية أكثر من النفسية أحيانًا. فبعض الرجال ينظرون إلى الزواج المتعدد كرمز للوجاهة أو القدرة المالية، متناسين البعد الإنساني للعلاقة.
بحسب دراسات علم الاجتماع الثقافي المنشورة في مجلة “Cultural Psychology Review”، تؤدّي البيئة دورًا كبيرًا في تشكيل قرارات الأفراد، حيث يتأثر الرجل بالقيم السائدة حوله. فإذا كانت بيئته تعتبر الزواج الثاني أمرًا طبيعيًا، فلن يشعر بتأنيب الضمير، بل سيراه خيارًا منطقيًا.
لكن المشكلة تظهر حين يكون القرار ناتجًا عن ضغط اجتماعي أكثر من رغبة حقيقية. فالمجتمع قد يبرر السلوك، لكن علم النفس يحلّله كتعويض داخلي أو ضعف في مهارة التواصل مع الزوجة الأولى.
التفسير النفسي العميق من منظور الخبراء
من منظور الخبراء النفسيين، تفسير زواج الزوج على زوجته يتجاوز الأسباب الظاهرة. فالدافع الحقيقي غالبًا يكون تراكبًا بين احتياجات نفسية غير مشبعة وتجارب سابقة لم تُحلّ. يرى علماء النفس أن الرجل الذي لم يتعلم التعبير عن مشاعره في طفولته، يكبر وهو يعبّر عن ألمه بطريقة غير مباشرة، مثل الهروب إلى علاقة أخرى.
كما تؤكّد دراسات “American Psychological Association” أنّ خيانة الالتزام العاطفي أو الزواج الثاني من دون اتفاق متبادل ليست ناتجة عن نقص في الحب، بل عن غياب النضج العاطفي. لا يحتاج الرجل الناضج إلى أكثر من زوجة ليشعر بالاكتفاء، لأنه يعرف كيف يعبّر وكيف يعالج خلافاته. أمّا غير الناضج، فيستخدم الزواج الثاني كطريقة للهروب من مواجهة ذاته.
وهنا تكمن أهمية العلاج النفسي أو الاستشارة الزوجية. إذ تساعد في كشف الأسباب العميقة للسلوك قبل أن يتفاقم ويؤذي الأسرة.
الخلاصة
من خلال ما سبق، يتضح أنّ تفسير زواج الزوج على زوجته ليس أمرًا بسيطًا أو قابلًا للتعميم. فكلّ حال تحمل خلفها ظروفًا نفسية واجتماعية مختلفة. أحيانًا يكون السبب بحثًا عن الراحة، وأحيانًا محاولة لإثبات الذات، وأحيانًا مجرّد ضعف في التواصل أو في الوعي الذاتي. الفهم العلمي لهذه العوامل يساعد النساء على التعامل مع الموقف بوعي لا بانفعال، ويدفع الرجال للتفكير في العواقب قبل اتخاذ أي خطوة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ كيفيّة حل الخلافات الزوجية بأسلوبك الأنثوي الراقي قبل فوات الأوان!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الحل لا يكون في الزواج الثاني، بل في المواجهة الصادقة. فالرجل الذي يشعر بالفراغ يمكنه إصلاح ذاته قبل أن يؤذي من يحب. والزواج الحقيقي لا يُقاس بعدد الزيجات، بل بقدرة الشريكين على بناء حوار، وتحمّل، وتفاهم مستمر. لأنّ أساس العلاقة ليس في التملّك، بل في الاحترام والمصارحة، وهما العلاج الأصدق لأي فجوة عاطفية قد تنشأ بين الزوجين.
