منذ اللحظة التي تضعين فيها طفلك بين ذراعيك، تبدأ أهمّ مرحلة في حياتك كامرأة وأمّ. العناية بالطفل في عامه الأول ليست مجرد مسؤولية يومية، بل هي رحلة مليئة بالحب، والتحدي، والتعلّم. خلال هذا العام، يتطوّر الطفل بسرعة مذهلة جسديًا، وعقليًا، وعاطفيًا، لذلك فإن أي تفصيل صغير قد يؤثّر في نموّه المستقبلي.
في هذا المقال، سنتحدث عن أهمّ الأخطاء التي قد ترتكبينها من دون أن تدركي، أثناء العناية بالطفل خلال سنته الأولى. سنتناول الأخطاء المتعلقة بالحماية المفرطة، والتغذية، والنوم، والتفاعل العاطفي، واستخدام الأجهزة الإلكترونية. وسنقدّم نصائح علمية مدعومة بأبحاث موثوقة من منظمات لتساعدك على تجنّبها وبناء أساس قوي لصحّة طفلك.
الحماية المفرطة تُعيق تطوّره
في بداية الأمومة، قد ترغبين بحماية طفلك من أي خطر، وهذا أمر طبيعي. ولكن، المبالغة في الحماية تُضعف تطوره الجسدي والمعرفي. تشير أبحاث منشورة في موقع Mayo Clinic إلى أن الطفل يحتاج إلى حرية حركة يومية على الأرض لتقوية عضلاته وتحفيز التنسيق بين العين واليد.

عندما تمنعينه من الزحف أو الجلوس بمفرده خوفًا من السقوط، فأنتِ تُعيقين فرص تعلّمه من بيئته. لذلك، من المهمّ أن تسمحي له بالاستكشاف في مساحة آمنة. ضعيه على بطّانية نظيفة على الأرض، واستخدمي ألعابًا ناعمة وآمنة تشجّعه على الحركة. هكذا ينمو جهازه العصبي بطريقة طبيعية، ويتطور إدراكه الحسي بشكل أفضل.
التغذية الخاطئة أو المبكرة تُسبّب مشاكل هضمية
الكثير من الأمهات يبدأن بإدخال الأطعمة الصلبة باكرًا جدًا، ظنًا أن ذلك يساعد الطفل على النمو السريع. لكن منظمة الصحة العالمية (WHO) تؤكد أن إدخال الأطعمة قبل عمر الستة أشهر قد يسبب التهابات ونزلات معوية، ويؤدي إلى اضطرابات في امتصاص العناصر الغذائية.
في المقابل، تأخير إدخال الأطعمة أيضًا ليس صحيًا، لأن الطفل بعد الشهر السادس يحتاج إلى الحديد والزنك الموجودين في الطعام. لذا، يجب اعتماد التدرّج: بدءًا من المهروسات الخفيفة، ثم الكميات الصغيرة من الخضار والفواكه. كذلك، يُنصح بعدم إجبار الطفل على الأكل إذا رفض نوعًا معينًا، بل يجب المحاولة مجددًا بعد يومين بطريقة مرنة وهادئة.
تذكّري أن العناية بالطفل تشمل مراقبة استجابته للطعام، وملاحظة أي تحسّس أو انتفاخ قد يظهر بعد تناول أنواع معينة. التغذية المتوازنة في هذا العمر تُعدّ حجر الأساس لصحة الجهاز الهضمي والمناعي.
قلة النوم أو عدم انتظامه تُضعف مناعته
يُعتبَر النوم من أهمّ عناصر النمو في السنة الأولى. لكنّ بعض الأمهات يعتقدن أن الطفل سينام متى تعب، فيتركنه مستيقظًا لفترات طويلة. هذا الاعتقاد خاطئ علميًا، لأن الجهاز العصبي عند الرضيع يحتاج إلى عدد ساعات محددة من النوم المنتظم ليؤدي وظيفته بشكل سليم.

بحسب الأكاديمية الأمريكية لطبّ الأطفال، يحتاج الطفل بين عمر شهر و12 شهرًا إلى 14–17 ساعة نوم يوميًا، منها ساعات ليلية وأخرى نهارية. قلّة النوم تُقلّل إنتاج الهرمونات المسؤولة عن النمو والمناعة، كما تُسبّب العصبية الزائدة عند الطفل وصعوبة في التركيز لاحقًا.
لذلك، احرصي على اتّباع روتين نوم ثابت، في نفس الوقت يوميًا، وفي مكان هادئ بعيد عن الضوء القوي. تجنّبي هزّ الطفل باستمرار لأن ذلك قد يتحوّل إلى عادة تمنعه من النوم الطبيعي بمفرده.
ضعف التواصل العاطفي واللغوي يؤخّر نموّ الدماغ عند الرضيع
كثير من الأمهات يعتقدن أن الطفل لا يفهم الكلمات، فيقلّ التفاعل اللفظي معه. لكن علم الأعصاب يؤكد أن الدماغ يبدأ بتخزين الأصوات منذ الأسابيع الأولى بعد الولادة. التحدث مع الطفل، والغناء له، والنظر في عينيه أثناء الرضاعة، كلّها تُنشّط مناطق التواصل في الدماغ، وتبني روابط عاطفية قوية بينكما.
أظهرت دراسة في Frontiers in Psychology أن الأطفال الذين يتعرضون لتواصل لغوي متكرر في العام الأول يكتسبون مهارات لغوية أسرع من غيرهم بنسبة 30٪. لذا، تحدثي معه يوميًا، حتى خلال تغيير الحفاض أو أثناء تحضيره للطعام. استخدمي كلمات بسيطة، وابتسمي كثيرًا، فالتواصل الإيجابي يزرع في نفسه الأمان ويُخفّف توتّره.
التفاعل العاطفي جزء لا يتجزأ من العناية بالطفل، فهو يُقوّي ثقته بنفسه ويمنحه الشعور بالحبّ غير المشروط.
استخدام الأجهزة الإلكترونية خطر صامت
في السنوات الأخيرة، زاد اعتماد الأمهات على الهواتف أو التلفاز لتهدئة الطفل أو تسليته. ومع أن الأمر يبدو عمليًا، إلا أنه من أخطر الأخطاء. تنصح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بتجنّب الشاشات تمامًا قبل عمر السنتين، لأن الضوء الأزرق يؤثر سلبًا في نوم الطفل، كما يُبطئ تطوره اللغوي والاجتماعي.

حين يتعرّض الطفل للمقاطع المصوّرة بدل التفاعل الواقعي، ينخفض نشاط الدماغ المسؤول عن التقليد والتفاعل. لذا، استبدلي الأجهزة بألعاب حسّية آمنة: مثل المرايا الصغيرة، والكتب القماشية، والمكعبات الناعمة.
كما أن استخدام الهاتف أمام الطفل يقلّل تواصلكِ معه ويُشعره بالإهمال. احرصي على وقتٍ خالٍ من الشاشات في المنزل، وشاركيه اللعب وجهًا لوجه. فالتفاعل الإنساني هو الذي يبني الذكاء العاطفي والاجتماعي لديه.
الخلاصة
في نهاية المطاف، تبقى العناية بالطفل رحلة مليئة بالتجارب، لا تخلو من الأخطاء، لكنها تستحقّ كل لحظة. فكلّ تصرّف صغير تقومين به اليوم، يُشكّل مستقبل طفلك غدًا. التوازن بين الحماية والاستقلال، بين التغذية والنوم، وبين التواصل والهدوء، هو ما يصنع الفارق في نموّه السليم. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن علامات عدم شبع الطفل من الرضاعة الطبيعية التي لا يجب أن تتجاهليها أبدًا.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، إن الأمومة ليست كمالًا بل تعلّمًا دائمًا. الأهمّ هو أن تبقي يقظة، متصالحة مع أخطائك، ومستعدة دائمًا لتصحيحها. فـ العناية بالطفل ليست مجرّد واجبٍ يومي، بل هي فنّ من فنون الحبّ الصادق والعطاء المستمر، الذي يزرع في قلب صغير الثقة، وفي نفسك الرضا والفخر بأنك الأم التي تنمو معه خطوة بخطوة.