تُعَدّ علامات سمنة الأطفال من المواضيع التي تثير قلق الأمهات في عصر تزايد فيه الوزن الزائد بشكل ملحوظ بين الصغار. فالسمنة لم تعد مشكلة تخص الكبار فقط، بل أصبحت تهدد صحة الطفل ونموه في سنوات مبكرة، لتترك آثارًا قد تمتد معه إلى مرحلة البلوغ. تشير دراسات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسب السمنة عند الأطفال في تزايد مقلق. ما يجعل مراقبة الوزن وملاحظة العلامات المبكرة أمرًا لا يحتمل التأجيل.
في هذا المقال، سنستعرض المؤشرات الأساسية التي تكشف عن بداية السمنة عند الطفل، ونوضح الأسباب العلمية وراءها، كما سنقدّم خطوات عملية للأهل تساعدهم على حماية أطفالهم. سنتناول أولًا العلامات الجسدية الظاهرة، ثم ننتقل إلى المؤشرات السلوكية والنفسية. وأخيرًا نتحدث عن المضاعفات الصحية التي قد تنتج عن إهمال المشكلة.
المؤشرات الجسدية الواضحة
أول ما يلفت انتباه الأم هو الشكل الخارجي للطفل. تراكم الدهون في منطقة البطن أو الوجه يشكّل إشارة مبكرة. تظهر أيضًا صعوبة في الحركة أو بطء عند ممارسة النشاط البدني. هذه العلامات لا يجب أن تمر مرور الكرام.
بحسب دراسات طبية حديثة، فإن قياس محيط الخصر مقارنةً بالطول يُعد من الطرق العملية لتحديد السمنة عند الأطفال. إذا تجاوز محيط الخصر نصف الطول، فهذه علامة خطر. كذلك فإن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم (BMI) فوق المعدل الطبيعي يشير إلى احتمال السمنة.
الوعي بهذه العلامات الجسدية يساعد الأهل على التدخل المبكر. وهو ما يحمي الطفل من مشاكل أكبر في المستقبل.
العلامات السلوكية المرتبطة بالغذاء
لا تقتصر علامات سمنة الأطفال على الشكل، بل تظهر بوضوح في سلوكيات الأكل. الطفل الذي يميل إلى تناول الطعام بسرعة، أو يطلب وجبات إضافية بشكل متكرّر، أو ينجذب دومًا إلى الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات، يكون أكثر عرضة لاكتساب الوزن الزائد.
تشير دراسات منشورة في American Journal of Clinical Nutrition إلى أن الأطفال الذين يتناولون وجبات أمام التلفاز أو الأجهزة الإلكترونية يستهلكون سعرات حرارية أعلى بنسبة تصل إلى 25% مقارنة بأقرانهم. يزيد هذا السلوك من احتمالية السمنة بشكلٍ كبير.
تُعَدّ مراقبة هذه العادات وتعديلها خطوة أساسية، لأنّها تمثّل السبب الجذري لتراكم الدهون على المدى الطويل.
العلامات النفسية والعاطفية
من المهمّ أن نعلم أن سمنة الأطفال ليست فقط حال جسدية. بل قد ترتبط بالحال النفسية أيضًا. الطفل الذي يلجأ إلى الطعام كوسيلة للهروب من الشعور بالقلق والتوتر أو الحزن يُظهر أحد أهم المؤشرات. قد تبدو هذه العلامة غير واضحة، لكنها تحمل خطورة كبيرة لأنها تجعل الطعام وسيلة للتعامل مع المشاعر بدلًا من مصدر للطاقة.
بيّنت دراسة في Pediatrics Journal أن الأطفال الذين يعانون من ضغوط نفسية أو عزلة اجتماعية يكونون أكثر عرضة للسمنة، لأنهم يميلون إلى الأكل العاطفي. توضح هذه النقطة العلاقة الوثيقة بين الصحّة النفسيّة وصحّة الجسد عند الصغار.
يجب أن يلاحظ الأهل إن كان طفلهم يطلب الطعام في أوقات لا يشعر فيها بالجوع فعليًا، فهذه إشارة تستحق التدخل.
المضاعفات الصحية التي تكشف الخطر
تمتدّ علامات سمنة الأطفال لتظهر في شكل مضاعفات صحية إذا لم تُعالج مبكرًا. من أبرز هذه المضاعفات: صعوبة التنفس عند النوم (انقطاع النفس الانسدادي)، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة مستويات الكوليسترول.
كذلك ترتبط السمنة المبكرة بزيادة خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وهو مرض كان في السابق حكرًا على الكبار. أكّدت دراسة نُشرت في New England Journal of Medicine أن الأطفال المصابين بالسمنة لديهم قابلية أعلى بثلاثة أضعاف للإصابة بالسكري خلال سنوات المراهقة.
تفرض هذه النتائج العلمية على الأهل مسؤولية أكبر، لأن التدخل في الصغر يحمي من أمراض مزمنة يصعب علاجها لاحقًا.
دور العوامل الوراثية والبيئة
لا يمكن أن نتحدث عن علامات سمنة الأطفال من دون التوقف عند دور الوراثة والبيئة المحيطة. فالأبحاث العلمية تؤكّد أنّ العوامل الجينية قد تزيد من قابلية الطفل لاكتساب الوزن بسهولة، خصوصًا إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما يعاني من السمنة. لكن في الوقت نفسه، لا يكفي العامل الوراثي وحده لتفسير المشكلة. إذ إنّ البيئة المنزلية وعادات الأكل العائلية تلعب دورًا جوهريًا.
يعيش الطفل الذي في بيئة تعتمد على الوجبات السريعة والمشروبات الغازية أكثر عرضة للسمنة من طفل آخر في بيت يشجّع على الأكل المنزلي المتوازن والنشاط البدني. لذلك، لا بد من دمج الوعي بالوراثة مع تعديل نمط الحياة. حتى نتمكن من السيطرة على المشكلة قبل أن تتحول إلى أزمة صحية مزمنة.
الخلاصة
من خلال ما سبق، يتضح أن علامات سمنة الأطفال لا يجب أن تمر دون انتباه. فالعلامات الجسدية، والسلوكيات الغذائية، والمؤشرات النفسية، والمضاعفات الصحية كلها إشارات تُنذر بخطر يحتاج إلى مواجهة واعية. التدخل المبكر وتبني نمط حياة صحّي يُعدّان الحلّ الأفضل لحماية الطفل.
إنّ السمنة ليست مجرّد مسألة وزن زائد، بل مشكلة متشابكة قد تؤثر على ثقة الطفل بنفسه وعلى صحته الجسدية والنفسية في المستقبل. لذلك، المراقبة المستمرة والوعي بعلاماتها هما مفتاح الوقاية. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أنّ إشعاع الهواتف يهدد دماغ طفلك.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن مسؤولية الأهل لا تقتصر على توفير الغذاء لأطفالهم. بل تشمل مراقبة كل تغيير في سلوكهم أو جسدهم. فالسمنة لا تأتي فجأة، بل تبدأ بعلامات صغيرة يسهل تداركها. لذلك، أنصح كل أم أن تكون يقظة تجاه هذه الإشارات، وأن توازن بين تلبية رغبات طفلها في الطعام والحفاظ على صحته على المدى الطويل.
