كيف أفك التعلّق بشخص يؤلمني الغياب عنه وأضعف كلّما فكرت فيه؟ سؤال يطرحه الكثيرون بعد علاقة مؤلمة أو انفصال مؤذٍ. التعلّق العاطفي ليس مجرد مشاعر طبيعية، بل حال داخلية معقّدة تُغذّى من الذكريات، والاعتياد، ونقص الأمان الداخلي. هذا التعلّق يربطنا بالشخص حتى بعد غيابه، ويجعلنا نشتاق حتى للأذى أحيانًا.
ومن هنا تبدأ المعاناة. لذلك، سنستعرض في هذا المقال كيف تفكّين هذا التعلّق بأسلوب علمي. سنتناول الأسباب النفسية، والتمارين الذهنية، ودور الهرمونات، وأهم الخطوات العملية للتحرّر من دون ضعف. كل خطوة ستُساعدكِ على استعادة قوتكِ بهدوء ومن دون أن تنجري وراء الذكريات من جديد.
افهمي جذور التعلّق العاطفي
قبل أي خطوة، لا بدّ من فهم ما هو التعلّق العاطفي. هو ليس حبًا دائمًا، بل أحيانًا احتياج لدعم نفسي. تقول عالمة النفس ماري أينسوورث في دراساتها حول “نظرية التعلّق” أن الأطفال الذين لم يشعروا بالأمان في الطفولة قد يطوّرون أنماط تعلّق غير صحية في علاقاتهم لاحقًا. تمتد هذه الأنماط حتى البلوغ، وتجعلنا نتمسّك بشخص حتى لو لم يعد مناسبًا لنا.

من هنا، تأتي أهمية التعمّق في السبب. هل كان ذلك الشخص مصدر أمان؟ أو ملأ فراغًا عاطفيًا؟ أم كنتِ ترين فيه صورة مثالية؟. حين تكتشفين ذلك، تصبحين أكثر وعيًا بخط الدفاع الأول ضد التعلّق المرضي.
أغلقي الأبواب الرقمية والذهنية
في رحلة التحرّر، لا يكفي الابتعاد الجسدي فقط. المفتاح هو الابتعاد الذهني أيضًا. كيف أفك التعلّق بشخص وأنا أراقب حساباته يوميًا أو أحتفظ برسائله؟. الحل هنا بسيط وواضح: احذفي كل ما يذكّركِ به.
أكّدت دراسة من University of Colorado أن التعرّض المستمر للصور والذكريات الرقمية يُعيد تنشيط المسارات العصبية المرتبطة بالمكافأة، تمامًا كما يحصل في حالات الإدمان. لذلك، لا تستهيني بخطورة “الفضول البريء”.
قومي بإلغاء المتابعة، واحذفي صوره، وامسحي محادثاته. هذه الخطوة ستمنح دماغكِ مساحة للشفاء، وتُقلّل من اندفاعكِ للعودة إليه.
استبدلي العادة العاطفية بعادة جديدة
لا يتحمّل العقل الفراغ. لذلك، كلّما حاولتِ التخلص من التعلّق، ستحاول مشاعركِ ملء هذا الفراغ بأي وسيلة. من هنا تأتي قوة الاستبدال.

ابدئي بممارسة نشاط جديد: ممارسة الرياضة، والتعلّم، والتطوّع، أو حتى التحدّث مع صديقة مقرّبة. المهم أن تُشغلي وقتكِ ونفسكِ بما يُغذّي روحكِ بدلًا من التفكير به.
بحسب Neuroscience & Biobehavioral Reviews، يُنشّط استبدال العادة مناطق مختلفة في الدماغ، ويقلّل من الرغبة القديمة. ومع الوقت، ستلاحظين أنّ التعلّق يضعف، وتصبحين أكثر توازنًا.
واجهي الضعف بدلًا من إنكاره
الخطأ الأكثر شيوعًا هو محاولة تجاهل الألم. في الواقع، الهروب من المشاعر يُطيل مدّتها. لذلك، خصّصي وقتًا لمواجهة حزنكِ بدلًا من الهروب منه.
اكتبي ما تشعرين به. ابكي إن احتجتِ. استمعي لنفسكِ من دون حكم. تُسمّى هذه الخطوة في العلاج النفسي “التنظيم العاطفي”. وقد ثبت أنها تُساعد على تقليل التعلّق العاطفي، بحسب دراسة في Journal of Affective Disorders.
واجهي كل ضعف بداخلكِ كجزء طبيعي من الشفاء. الوعي بالمشاعر لا يعني أنكِ ضعيفة، بل يعني أنكِ تنضجين.
اخلقي مسافة داخلية تحميكِ من العودة
كيف أفك التعلّق بشخص إذا قابلته من جديد أو حاول العودة؟ الجواب هو: المسافة الداخلية. هذه المسافة ليست جسدية فقط، بل ذهنية.

ضعي لذاتكِ حدودًا واضحة. اسألي نفسكِ: ما الذي أريده حقًا؟ هل أريد علاقة حقيقية أم لحظة حنين؟
حين تعودين لتلك اللحظة، تذكّري كل ما شعرتِ به من وجع، وضعف، وضياع، أو حتّى اكتئاب حاد. اكتبي هذه اللحظات. احمليها معكِ، لا لتتألّمي مجددًا، بل لتتذكّري أنّ العودة ليست خيارًا صحيًا.
تكمن قوّتكِ في قدرتكِ على قول “لا” بهدوء. لا للعودة، أو للتسامح السريع، ولا للتبريرات القديمة.
الخلاصة
كيف أفك التعلّق بشخص كان يعني لي الكثير؟ بالحبّ لنفسي أوّلًا، وبالوعي بأن الألم جزء من النضوج. قد يكون الأمر صعبًا في البداية، لكنه ليس مستحيلًا. مع كل خطوة تأخذينها، تنمو فيكِ امرأة أقوى، وأصفى، وأكثر قدرةً على الاختيار الواعي.
لا تبحثي عن النسيان، بل عن التحرّر. فالتعلّق ليس حبًا حقيقيًا، بل احتياج مؤلم يتنكّر بثوب العاطفة. اختاري أن تُحبّي ذاتكِ أكثر من أي شخص لم يعد يستحق مكانه في قلبكِ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن مؤشّرات الفراغ العاطفي عند المرأة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ كسر التعلّق ليس دليلًا على البرود أو القسوة، بل هو خطوة ناضجة نحو استعادة السيطرة على الذات وبناء هوية مستقلة لا تتأثر بغياب أحد. إنه قرار شجاع تتخذه المرأة حين تدرك أن كرامتها وراحتها النفسية أولى من أي علاقة لا تُشعرها بالطمأنينة. حين تقرّرين الانفصال عاطفيًا، فأنتِ لا تنكرين الحب، بل تضعين له حدًا حين يتحوّل إلى عبء. وهذا أصعب بكثير من الاستسلام. القوة الحقيقية لا تظهر في التمسّك. بل في القدرة على التخلّي عندما يستوجب الأمر، وفي التئام الجرح بهدوء من دون أن تطلبي شفقة أو تبرير. أن تقولي “يكفيني ما مضى” هو بحد ذاته إعلان ولادة جديدة. لذلك، لا تنتظري من يُنقذكِ من ضعفكِ، بل بادري أنتِ بإنقاذ نفسكِ، وامنحيها الأمان والحنان الذي تستحقينه، لأنه لا أحد قادر على منحه لكِ كما تستطيعين أنتِ.