يدرك خبراء التربية أنّ بناء شخصية الطفل لا يحدث صدفة، بل يتكوّن تدريجيًا من خلال التجارب اليومية التي يعيشها. لذلك، تؤكد الدراسات الحديثة أنّ مشاركة الطفل في القرارات اليومية تعزّز ثقته بنفسه وتنمّي حسّ المسؤولية لديه منذ الصغر.
وفي هذا السياق، يشدّد المختصّون على أنّ تمكين الطفل من التعبير عن رأيه في قرارات بسيطة داخل الأسرة — مثل اختيار وجبة الغداء أو ترتيب غرفته — يعلّمه مهارات التفكير المستقل واتخاذ القرار بثقة. من هنا، تبدأ ملامح الشخصية القيادية بالظهور تدريجيًا من داخل المنزل.
اتخاذ القرار يزرع الثقة بالنفس
حين يشارك الطفل في القرارات اليومية، يشعر بأنّ رأيه ذو قيمة حقيقية. هذه المشاركة تعلّمه أنّ النجاح لا يأتي من أوامر الكبار فقط، بل من قدرته على التفكير والمبادرة. وهكذا، تتكوّن لديه الثقة بالنفس التي تشكّل أساس القيادة في المستقبل. كما تساعده هذه التجربة على تقبّل الخطأ، وتحويله إلى فرصة للتعلّم والتطوير بدلاً من الخوف أو التردّد.
الحوار اليومي يعزّز التفكير النقدي
يحتاج الطفل إلى بيئة تتيح له مناقشة آرائه بحرية، لأنّ الحوار اليومي مع الأهل يوسّع أفقه العقلي. حين تسأل الأم طفلها مثلاً: “ما السبب وراء اختيارك لهذا القرار؟”، فهي تفتح أمامه باب التفكير التحليلي والنقدي. بهذه الطريقة، يتعلّم الطفل تحليل المواقف بدقّة، ويكتسب القدرة على الدفاع عن وجهة نظره باحترام، وهي إحدى أهم صفات القائد الناجح.
تحمّل المسؤولية يبني روح القيادة
عندما يتّخذ الطفل قرارًا ويعيش نتائجه، سواء كانت إيجابية أو سلبية، يبدأ بفهم معنى المسؤولية. لذلك، يُستحسن أن يشارك الأهل أبناءهم في قرارات يومية بسيطة تتناسب مع عمرهم، مثل تنظيم وقت اللعب أو المذاكرة. ومع مرور الوقت، يتعلّم الطفل كيف يتحمّل نتائج اختياره، فيصبح أكثر نضجًا واستقلالًا في التفكير والسلوك.
في النهاية، تؤكّد الخبرة التربوية أنّ مشاركة الطفل في القرارات اليومية ليست ترفًا تربويًا، بل خطوة أساسية لتشكيل جيل واثق، مستقلّ، وقادر على القيادة. إنّ تمكين الطفل من التعبير والمشاركة يبني داخله شخصية مسؤولة قادرة على التفكير والتخطيط والمبادرة. لذلك، على الأسرة أن تفتح له المجال ليخطئ، يتعلّم، ويقود، لأنّ القيادة تبدأ من تفاصيل الحياة اليومية البسيطة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أنّ المكافآت الصغيرة تزرع السلوك الجيّد في الطفل.
