لا تُعتبَر الاشياء التي تؤثر على الحمل في الاشهر الاولى بسيطة ولا عابرة، بل يمكن أن تغيّر مسار الحمل كلّه وتُعرِّض الأم والجنين لمخاطر جسيمة. هذه المرحلة الأولى تُعَدّ الأهم، إذ تبدأ فيها الأعضاء الرئيسة للجنين بالتكوّن، ويكون جسم المرأة في أضعف حالاته من حيث المناعة والقدرة على التحمّل. لذلك، إنّ اقتراف أيّ خطأ أو إهمال خلال هذه الفترة قد يترك بصمة لا تُمحى.
في هذا المقال، سنكشف بتفصيل عن أبرز العوامل التي قد تُضعف الحمل في بداياته، بدءًا من التغذية غير المتوازنة، والتعرّض للمواد السامّة، مرورًا بالإجهاد النفسي، وصولًا إلى بعض العادات اليومية التي قد تبدو بريئة. سنستند إلى أبحاث طبية موثوقة، وسنقدّم شرحًا علميًا مبسّطًا لكل جانب. كي تتمكّن كل امرأة من حماية نفسها وجنينها منذ اللحظة الأولى.
النظام الغذائي غير المتوازن
من المعروف أنّ الغذاء يشكّل القاعدة الأولى لصحة الحامل. تشير دراسات عديدة نُشرت في The American Journal of Clinical Nutrition إلى أنّ نقص بعض العناصر الأساسية، مثل حمض الفوليك والحديد والكالسيوم، يزيد من احتمال حدوث تشوّهات خلقية أو ضعف في نمو الجنين.

في الأشهر الأولى، يحتاج الجنين إلى فيتامينات ومعادن أساسية تساهم في تكوين جهازه العصبي والعظمي. على سبيل المثال، حمض الفوليك يقي من عيوب الأنبوب العصبي، بينما يساهم الحديد في بناء كريات الدم الحمراء. لذلك، الاعتماد على أطعمة فقيرة بالعناصر أو الإكثار من الأغذية المعلّبة المليئة بالمواد الحافظة قد يشكّل خطرًا مباشرًا.
إضافةً إلى ذلك، الإفراط في تناول الكافيين أو المشروبات الغازية يؤدّي إلى ارتفاع ضغط الدم واضطراب النوم عند الأم، ما يؤثّر سلبًا في استقرار الحمل. وهنا يظهر دور النظام الغذائي المتوازن كعامل أساسي للوقاية.
التعرّض للمواد السامّة والملوّثات
الهواء الذي تستنشقه الحامل والمكان الذي تعيش فيه قد يكونان مصدر تهديد صامت. تشير دراسات منشورة في Environmental Health Perspectives إلى أنّ التعرّض المستمر لملوّثات الهواء، مثل الرصاص والزئبق والديوكسينات، يرتبط بزيادة خطر الإجهاض أو انخفاض وزن الجنين عند الولادة.
كما أنّ بعض منتجات التنظيف المنزلية تحتوي مواد كيميائية قد تسبّب اضطرابات هرمونية أو التهابات جلدية تؤثّر غير مباشر في الحمل. لذلك، يُفضَّل تجنّب الروائح النفّاذة واستبدالها ببدائل طبيعية مثل الخل والبيكربونات.
أما التدخين النشط أو السلبي فيُعَدّ من أخطر العوامل. فقد أثبتت أبحاث Centers for Disease Control and Prevention أنّ استنشاق النيكوتين وأول أكسيد الكربون يقلّلان من كمية الأكسجين التي تصل إلى الجنين. ما قد يبطئ نمو الدماغ والأعضاء الحيوية.
الضغوط النفسية والإجهاد المستمر
لا تقلّ الحال النفسيّة أهمية عن الغذاء. الإجهاد المزمن وارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول يؤدّيان إلى انقباض الأوعية الدموية. وبالتالي انخفاض تدفّق الدم إلى الرحم. هذه النتيجة قد تسبّب ضعفًا في وصول الغذاء والأكسجين للجنين.

نشرت مجلة Psychoneuroendocrinology دراسة تبيّن أنّ النساء اللواتي يتعرّضن لتوتر شديد في بداية الحمل أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات مثل الولادة المبكرة أو ارتفاع ضغط الدم الحملي.
ولذلك، ينصح الأطباء بممارسة أنشطة بسيطة لتخفيف الشعور بالتوتر مثل ممارسة التنفّس العميق، والمشي اليومي، واليوغا المخصّصة للحوامل. هذه الخطوات ترفع من مستوى هرمونات السعادة مثل السيروتونين. ما يحمي الحمل من التأثيرات السلبية للتوتر.
العادات اليومية الخاطئة
قد تبدو بعض الممارسات بسيطة لكنها تحمل خطورة خفية. على سبيل المثال، السهر المتواصل يقلّل من إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم والمناعة. قلة النوم في الأشهر الأولى ترتبط بزيادة خطر ارتفاع ضغط الدم لاحقًا.
أيضًا، رفع الأوزان الثقيلة أو القيام بمجهود جسدي مبالغ فيه قد يضغط على منطقة الحوض والرحم. ممّا يزيد من احتمالية النزيف أو التقلصات المبكرة. إضافةً إلى ذلك، استعمال الأدوية من دون استشارة طبية يُعَدّ خطأ جسيمًا. إذ إنّ بعض المسكّنات أو المضادّات الحيوية قد تؤثّر سلبًا في تكوين الأعضاء الأولى للجنين.
يشير الأطباء دائمًا إلى أنّ أبسط التغييرات في الروتين اليومي يمكن أن تكون فارقة في حماية الحمل. مثل النوم المنتظم وشرب الماء بكثرة وتجنّب الأطعمة النيئة.
الأمراض المزمنة غير المضبوطة
من بين الاشياء التي تؤثر على الحمل في الاشهر الاولى الأمراض المزمنة التي لا يتم التحكّم فيها بشكل صحيح. ارتفاع ضغط الدم، والسكري غير المضبوط، وأمراض الغدّة الدرقية. جميعها ترفع من احتمال حدوث مضاعفات مثل تسمّم الحمل أو الإجهاض.

على سبيل المثال، أظهرت دراسة نُشرت في Diabetes Care أنّ النساء اللواتي يدخلن الحمل مع مستويات سكر غير متوازنة أكثر عرضة لإنجاب أطفال بوزن زائد أو عيوب خلقية. لذلك، من الضروري متابعة هذه الحالات طبيًا قبل الحمل وخلاله، وضبطها بالأدوية المناسبة وتحت إشراف مباشر.
كما أنّ العدوى غير المعالجة مثل داء المقوسات أو الحصبة الألمانية قد تؤدّي إلى عواقب خطيرة على تكوين الدماغ والعينين لدى الجنين. الوقاية عبر التطعيمات والتحاليل الدورية تظلّ أفضل وسيلة للحماية.
الخلاصة
الحمل في بداياته يشبه رحلة دقيقة تتطلّب عناية فائقة. النظام الغذائي، والبيئة المحيطة، والحال النفسية، والعادات اليومية، والسيطرة على الأمراض المزمنة. كلّها عوامل متشابكة تحدّد مصير هذه المرحلة الحساسة. إنّ الاشياء التي تؤثر على الحمل في الاشهر الاولى ليست نظرية بل حقائق مدعومة بأبحاث علمية أثبتت مدى خطورتها إذا لم تُؤخذ بعين الاعتبار. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ أنّ طريقة نومك قد تحدّد صحّة طفلك عند الولادة!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ وعي المرأة في هذه المرحلة هو سلاحها الأقوى. فالمعرفة بما قد يضرّها ويؤثّر على جنينها تجعلها قادرة على اتخاذ قرارات حكيمة تحمي بها نفسها ومولودها المنتظر. لا ينبغي الانتظار حتى وقوع المشكلة. بل يجب التحرك منذ اليوم الأول لبناء حمل صحي وآمن.