تُعَدّ الثّقة بين الزوجين حجر الأساس الذي يضمن بقاء العلاقة الزوجيّة متينة ومستقرّة. عندما يثق أحد الطرفين بالآخر، يشعر القلب براحة، ويخفّ الشعور بالقلق، وتزداد القدرة على مواجهة صعوبات الحياة. ليس الأمر مجرّد شعور عابر، بل حقيقة أثبتتها دراسات متعدّدة في علم النفس الأسري. حيث وُجِد أنّ مستوى الثّقة يرتبط مباشرة بدرجة الرضا الزواجي وجودة التواصل بين الشريكين.
وفي هذا المقال، سنتناول الموضوع من زوايا متكاملة. سنعرّف أولًا على معنى الثّقة علميًّا. ثم نوضح أثرها النفسي والجسدي، ونتطرّق إلى العوامل التي تهدّدها، ونقدّم استراتيجيات لتعزيزها، وأخيرًا نبرز دور التواصل والعلاج الزوجي. الهدف أن تخرجي بصورة واضحة عن أهميّة هذا المفتاح الذهبي في حياة كل زوجة.
تعريف الثّقة بين الزوجين من منظور علم النفس
الثّقة بين الزوجين ليست شعورًا بسيطًا بالاطمئنان، بل بناء داخليّ يتكوّن من عدّة عناصر. يُشير علماء النفس إلى أنّ الثّقة تتكوّن من توقّع السلوك الإيجابي، والاعتماد على الشريك، والإيمان بقدرته على الدعم. في دراسة نشرتها Journal of Marriage and Family، وُجد أنّ الأزواج الذين يتمتّعون بدرجة عالية من الثّقة يُظهرون مرونة أكبر في حلّ الخلافات، ويستعيدون توازنهم بعد الأزمات بسرعة أكبر من غيرهم.

كما تندرج هذه الفكرة تحت نظرية التعلّق (Attachment Theory)، التي ترى أنّ الإنسان يبحث منذ الطفولة عن شخصٍ آمن يمنحه دعمًا واستقرارًا. عندما يجد الزوج أو الزوجة هذا الشعور مع الطرف الآخر، تنشأ علاقة قائمة على الطمأنينة والولاء. ويُشير علماء النفس الإيجابي أيضًا إلى أنّ الثّقة تخلق دائرة متكاملة من الأمان العاطفي: كلّما زادت الثّقة، زاد الانفتاح في التعبير، وكلّما زاد الانفتاح، ازدادت المودّة والالتزام، ما يجعل العلاقة أكثر استقرارًا على المدى الطويل.
أهمية الثّقة في الصحة النفسيّة والجسديّة
لا تقتصر آثار الثّقة على راحة البال، بل تنعكس على الجسد أيضًا.
عندما يشعر أحد الزوجين بالأمان داخل العلاقة، ينخفض مستوى هرمون الكورتيزول المرتبط بالشعور بالقلق والتوتّر. هذا الانخفاض يحمي من اضطرابات النوم، ويحسّن عمل الجهاز المناعي، ويزيد من انتظام ضغط الدم. في المقابل، غياب الثّقة يرفع نسب القلق ويزيد من احتمال الإصابة بالاكتئاب. كما يضاعف من خطر الإصابة بأمراض القلب على المدى الطويل بسبب ارتفاع الضغط النفسي المستمر.
من جهة أخرى، أوضحت أبحاث في علم النفس الإكلينيكي أنّ العلاقات المبنيّة على الثّقة تعزّز إفراز هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين. وهو هرمون يرتبط بالشعور بالارتباط العاطفي والطمأنينة. هذا الهرمون يساهم في خفض مستويات التوتّر العصبي، ويزيد من الشعور بالاسترخاء بعد الخلافات، ما يجعل العلاقة بيئة داعمة للشفاء النفسي.
أما من الناحية الاجتماعية، فقد بيّنت دراسة من جامعة كاليفورنيا أنّ الأزواج الذين يتمتّعون بعلاقة قائمة على الثّقة يظهرون دعمًا متبادلًا خلال الضغوط اليومية. ما يخفّف من مشاعر الوحدة ويقوّي الإحساس بالانتماء. لذلك تصبح الثّقة عاملاً وقائيّاً ضد المشاكل النفسيّة المزمنة مثل القلق الاجتماعي أو فقدان الدافعية، وتتحوّل إلى درع يحمي الطرفين في مواجهة تحدّيات الحياة.
العوامل التي تهدّد الثّقة بين الزوجين
رغم أهميتها، قد تتعرّض الثّقة بين الزوجين لاهتزازات متكرّرة.

من أبرز التحديات الخيانة العاطفيّة أو الجسديّة، وهي من أكثر الأسباب التي تهدم جدار الثّقة سريعًا. كذلك يؤدّي الكذب أو إخفاء الحقائق إلى زعزعة الاطمئنان. إضافةً إلى ذلك، فإنّ قلّة التواصل المستمر تخلق فجوة عاطفية تجعل الزوجة تشعر بالبعد وفقدان الأمان.
وتشير دراسات علميّة إلى أنّ المشاكل الماليّة تُعَدّ سببًا رئيسيًا لضعف الثّقة. عندما يغيب الوضوح حول الإنفاق أو الديون، تنشأ شكوك قد تمتدّ إلى مجالات أخرى. لذا فإنّ حماية العلاقة من هذه التهديدات تتطلّب وعيًا واستباقًا قبل تفاقمها.
استراتيجيات لتعزيز الثّقة وترميمها
إنّ بناء الثّقة ليس حدثًا لحظيًا بل عملية مستمرة تحتاج إلى خطوات عملية.
أولًا، يأتي الصدق كأهم قاعدة. التعبير الصريح عن المشاعر والقرارات يزرع الطمأنينة. ثانيًا، يُعتبَر الالتزام بالوعود دليلًا عمليًّا على الموثوقيّة. ثالثًا، الإنصات بتركيز للشريك يمنحه شعورًا بالاحترام ويقوّي روابط المودّة.
كما أن المساندة وقت الأزمات تمثّل برهانًا عمليًّا على قوة العلاقة. وفي الحالات التي تعرضت فيها الثّقة لهزّة كبيرة، ينصح خبراء العلاج الأسري بوضع خطط واضحة لإعادة البناء، مثل تحديد أهداف مشتركة، ووضع قواعد للتواصل. كل خطوة صغيرة نحو الشفافية تساهم في إعادة الاطمئنان.
دور التواصل والعلاج الزوجي في تعزيز الثّقة
حين تتعقّد الخلافات، يصبح التواصل البنّاء والعلاج الزوجي أدوات فعّالة.

يُظهر البحث المنشور في “Journal of Family Psychology” أنّ جلسات العلاج الزوجي تساعد الأزواج على فهم جذور فقدان الثّقة وإيجاد حلول طويلة الأمد. إذ يتعلّم الطرفان استراتيجيات للتعبير عن الاحتياجات، ولتجنّب ردود الفعل الدفاعية.
يؤدّي التواصل اليومي أيضًا دورًا محوريًا. إنّ مشاركة تفاصيل بسيطة مثل الحديث عن يوم العمل أو الخطط المستقبلية تعزّز شعور المشاركة. وبذلك، يتحوّل الزواج إلى مساحة آمنة للتعبير والبوح.
الخلاصة
في النهاية، يتّضح أنّ الثّقة بين الزوجين ليست خيارًا إضافيًّا، بل ضرورة للحفاظ على راحة القلب وطمأنينة الحياة الزوجيّة. من تعريفها العلميّ، إلى آثارها الصحيّة، مرورًا بالعوامل المهدّدة لها، ثم الاستراتيجيات العملية لتعزيزها، وصولًا إلى دور التواصل والعلاج الزوجي، يظهر أنّ الثّقة هي المفتاح الذهبي لكل علاقة ناجحة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن تصرفات عفوية من شريكك تؤكد وجود حب بين الزوجين بصدق.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الزوجة التي تحرص على بناء الثّقة مع شريك حياتها تستثمر في سعادتها على المدى البعيد. فالثّقة ليست منحة جاهزة، بل ثمرة جهد مشترك، وحين تُروى بالصدق والرعاية تتحوّل العلاقة إلى مصدر راحة واطمئنان ينعكس على كل تفاصيل الحياة.