سيّدتي العزيزة، أنا الدكتور محمد سيف الدين، مختصّ في العلاج الفيزيائي والطبيعي، سأطلعكِ على أهميّة الخضوع لجلسات العلاج الفيزيائي بعد الولادة من خلال هذه المقالة الجديدة على موقع عائلتي، مبيّنًا دورها في تعزيز صحّتك واستعادة لياقتك البدنيّة ومُقدّمًا أهمّ النصائح والتوجيهات التي عليكِ اتّباعها بعد الإنجاب من أجل تفادي مضاعفات أبرز المشاكل التي تواجه الحامل التي قد تظهر في المستقبل.
تعتبَر فترة الحمل من أهمّ الفترات التي تمرّ بها المرأة وأكثرها حساسيةً وتأثيرًا على صحّتها، لذلك من الضروريّ أن تُعير اهتمامًا كبيرًا لفترة ما بعد الولادة وتُخصّصها للاعتناء بنفسها بقدر ما تعتني بمولودها الجديد.
دور جلسات العلاج الطبيعي بعد الولادة في تعزيز استعادة اللياقة البدنية وصحّة عضلات الحوض
تطال مشاكل عضلات الحوض عددًا كبيرًا من النساء بشكلٍ عام، والحوامل بشكلٍ خاص، حيث تُصاب هذه المنطقة (Pelvic floor muscles) بضعف عام نتيجة تحمّل وزن الجنين لمدّة تصل إلى تسعة أشهر، وهنا يأتي دور العلاج الفيزيائي الذي يساعد الخضوع إليه في استعادة متانة قوّة هذه المنطقة، وبالتالي تفادي أحد أهمّ أسباب آلام الحوض عند الحامل التي عادةً ما تظهر في الأشهر الأخيرة وبعد الإنجاب.
ليس ذلك فقط، فبعد الولادة أؤكّد لكِ أنكِ ستلاحظين فرقًا شاسعًا في قدرتكِ البدنية وليونة جسمك، ممّا يزيد من مخاطر الإصابة بمشاكل العظام، هبوط الرحم، أو حتّى تغيّرات في القدرة على التبوّل، هذا على الصعيد الصحّي؛ أمّا على الصعيد النفسي، فمن المحتمل أن تتعرّضي إلى اكتئاب ما بعد الولادة نتيجة شعورك بالضعف وقلّة الحيلة.
هنا، يكمن دور المعالج الفيزيائي المختصّ في مساعدتكِ على تفادي التعرّض لجميع هذه المشاكل من خلال تطبيق العلاج الطبيعي بطريقة مُحترِفة بعد الولادة، ممّا يوفّر عليكِ خوض أصعب المراحل التي قد تمرّين بها.
هل هناك اختلافات في الاحتياجات الطبية بين الأمهات اللواتي أنجبنَ طبيعيًا مقارنةً باللواتي أجرين قيصريّة؟
عادةً ما تكون مدّة الشفاء من المضاعفات الجسديّة ما بعد الإنجاب بين أسبوعين إلى ستّة أسابيع في حال الولادة الطبيعيّة، أمّا عند الولادة القيصريّة (C-section ) فقد تستغرق هذه الفترة ما بين ستّة إلى ثمانية أسابيع كاملة للشفاء الكامل.
التقنيّات التي تُساعد على تقوية عضلات الحوض بعد الإنجاب
لا شكّ أن أبرز التقنيات التي تساعد على تقوية عضلات الحوض بعد الولادة وأكثرها فعالية هي ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة والمناسبة، وهذا ما سأفصّله لكِ في المقاطع التالية من هذه المقالة.
وهنا أؤكّد أولًا وبشكل أساسي على ممارسة بعض التمارين التي تساعد على تقوية عضلات الجسم كاملةً ثلاث مرات في الأسبوع، وأشير ثانيًا إلى أهمية ممارسة تمارين التقوية من الأسبوع الثاني عشر وحتى الرابع والعشرين ما بعد الولادة، كما أنوّه على أهمية الحفاظ على اللياقة البدنية والوزن المقبول والمناسب للمرأة بعد الإنجاب.
بعد انقضاء هذه المدة، يمكن للمرأة التي أنجبت حديثاً أن تبدأ برفع الأوزان الخفيفة، وذلك تحت إشراف المعالج الفيزيائي والطبيب النسائي المختصّ واتّباع التعليمات التي يقدماها من أجل ضمان سلامتها والحفاظ على قوة وصحة الأعضاء التي تحيط برحمها وحوضها، لتجنب مواجهة أي مشاكل في المستقبل، خاصّةً في تجارب الحمل القادمة، ويتم تحقيق ذلك من خلال ممارسة بعض التمارين التي تهدف إلى مساعدة عضلات الحوض على استرجاع قوتها التي كانت تتمتع بها قبل الحمل، وبالحديث عن هذا الموضوع، أعطيك بعض الأمثلة عن هذه التمارين:
- تمارين التقوية: وهي تمارين تساعد ممارستها على تقوية العضلات المستهدفة، وفي هذه الحال أنصحك بالمواظبة على ممارستها خمسة أيام في الأسبوع.
- التمارين المختلطة: وهي تمارين قائمة على عدّة أهداف، تطول ممارستها ثلاثة أسابيع وتتضمّن ثلاثة أنواع من الحركات الرياضيّة التي يجب ممارسة كلّ واحد منها ثلاثة مرّات أو أيّام في الأسبوع؛ في الأسبوع الأول ينصح بممارسة التمارين التي تعزز الطاقة power exercises, وفي الأسبوع الذي يليه، أي الثاني، من المهم التشديد على ممارسة تمارين القوة strength exercises، أما في الأسبوع الأخير، فمن الضروري المثابرة على ممارسة التمارين التي تهدف إلى الحفاظ على التوازن والاستقرار stability exercises.
- تقنية الإرتجاع البيولوجي (biofeedback ): تهدف هذه التقنية في هذه الحال على وجه الخصوص إلى تقوية عضلات الحوض pelvic floor muscles ، لمنع السلس البولي والتخفيف من احتماليّة التعرّض لمشكلة هبوط الرحم في المستقبل، لا سيّما إذا مرّت المرأة بعدّة تجارب حمل أثناء تقدّمها بالسنّ.
هل يُنصَح ببدء جلسات العلاج الطبيعي فوراً بعد الولادة أم هناك فترة زمنية محددة يجب انتظارها؟
عادةً ما يتمّ الالتزام ببرنامج خاص مناسب لحال كل امرأة بعد الإنجاب، يُحضّر بالتعاون بين المعالج الفيزيائي والطبيب النسائي كي يتناسب مع حالها، أمّا البدء بتطبيقه فيكون من الأسبوع السادس الذي يأتي بعد تاريخ الإنجاب.
البرنامج الشامل الذي يجب أن تتبّعه كلّ امرأة بعد الإنجاب
كما ذكرتُ سابقًا، يبدأ الالتزام ببرنامج التمارين الرياضية الخاصّة بالمرأة التي أنجبت حديثًا من الأسبوع السادس بعد الولادة، أمّا الحركات الرياضيّة التي يجب تضمينها فيه، فسأعرضها لك في ما يلي:
- الأسبوع الأول والثاني: يُنصَح خلال الأسبوع الأول والثاني من بدء برنامج التمارين الرياضية الخاص بالمرأة بعد الولادة، بممارسة التمارين الخفيفة التي تركز على تحفيز عضلات الأرجل والذراعين والمؤخّرة.
- من الأسبوع الثالث إلى الأسبوع الخامس: إلى جانب التمارين التي ذكرتُها في النقطة السابقة، يجب إضافة التمارين الخفيفة التي تركز على تقوية عضلات المعدة.
- من الأسبوع السادس إلى الأسبوع العاشر: بما أن هذه التمارين تُطبَّق تدريجيًا وتتطوّر، فلا بد من المحافظة على ممارسة التمارين السابقة التي وردت في النقاط السابقة، والتي أُضيف عليها في هذه الفترة بالتحديد تمارين المقاومة.
- من الأسبوع الحادي عشر إلى الأسبوع الثامن عشر: خلال هذه الفترة يتم تضمين تمارين الصدر إلى التمارين الأخرى الخفيفة التي ذكرنها.
- من الأسبوع الثامن عشر إلى الأسبوع الرابع والعشرين: تُعتبَر هذه الفترة نقطة تحوّل في البرنامج الرياضي الذي يجب على المرأة التي أنجبت حديثا اتّباعه، حيث كانت التمارين السابقة تمهيدات وتحضيرات للحركات الرياضية الجديدة التي ستمارسها خلال المرحلة الأخيرة،التي يمكنها البدء خلالها بتطبيق تمارين المقاومة المصحوبة بالأوزان، المشي، الجري، وحمل الأثقال الخفيفة.
في الختام ، أؤكد على ضرورة المتابعة مع المعالج الفيزيائي والطبيب النسائي المختصّ أثناء اتّباع هذا النوع من البرامج الرياضيّة من أجل ضمان سلامتك وتجنّب التعرض لأي مشاكل صحيّة قد تكون ذات آثار سلبيّة كبيرة خلال هذه الفترة.
ومن الجدير بالذكر، أن الوعي بخصوص الخضوع لجلسات العلاج الفيزيائي بعد الولادة قليل جدًا وغير منتشر في مجتمعاتنا العربية، لذلك من الضروريّ تقدير قدرة هذه الخطوات في المساعدة على الشفاء من أي مضاعفات جانبية قد يسببها الحمل، ويبدأ ذلك عند الأطباء النسائيين الذين يجب بدورهم توجيه النساء نحو اللجوء إليها بعد الإنجاب، وتقديم المعلومات اللازمة التي توضح لها حياة المرأة والتغيّرات التي تتخلّلها بعد الولادة.
