تطرح كثير من النساء اليوم سؤالًا جوهريًا: ما هي النفقة الواجبة على الزوج؟. فمع تغيّر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، أصبح الوعي بالحقوق الزوجية حاجة ضرورية لضمان حياةٍ كريمة ومتوازنة. وتُعدّ النفقة من أهمّ الالتزامات التي يُلزم بها الرجل تجاه زوجته وأولاده، وهي ليست مجرّد كرمٍ أو إحسان. بل واجب شرعيّ أقرّه الله تعالى لحماية الأسرة.
في هذا المقال، سنشرح بالتفصيل معنى النفقة الشرعية، وأنواعها، وشروطها، ومتى تسقط، وما هو موقف القوانين المدنية منها. وسنقدّم توضيحات مدعومة بآراء العلماء والفقهاء. إضافةً إلى رؤية إنسانية وقانونية شاملة تساعد المرأة على معرفة حقوقها بثقة ووعي.
معنى النفقة في الشرع وأساس وجوبها
تُعرَّف النفقة في الفقه الإسلامي بأنّها كل ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ولباس، وسكن، وعلاج، بحسب قدرة الزوج المالية وبما يتناسب مع عرف المجتمع. وقد أوجب الله تعالى النفقة في قوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، أي أنّ الرجل يتحمّل مسؤولية الإنفاق والرعاية والحماية.

ويؤكّد العلماء أنّ النفقة واجب ثابت، لا يسقط إلا في حالات محدّدة، لأنها ترتبط بعقد الزواج نفسه. فبمجرد أن يتمّ العقد الصحيح، تصبح النفقة دينًا في ذمّة الزوج، سواء أنفق أم قصّر. كما تندرج النفقة تحت مقاصد الشريعة في حفظ النفس والنسل. إذ تؤمّن للزوجة حياةً آمنة تحفظ كرامتها وتمنع الحاجة والذلّ.
ومن الناحية القانونية، تنصّ أغلب القوانين في الدول العربية، مثل القانون المصري واللبناني والأردني، على إلزام الزوج بالنفقة وفقًا لدخله وحالته المالية. بحيث تشمل الطعام والسكن والعلاج والملبس والمصاريف الضرورية.
أنواع النفقة الواجبة ومكوّناتها
تشمل النفقة الواجبة على الزوج عدّة عناصر أساسية، تتنوّع بحسب احتياجات الزوجة وظروف المعيشة.
- الطعام: يجب على الزوج أن يوفّر لزوجته ما يكفيها من غذاء صحي ومتوازن، يتناسب مع المستوى المعيشي الذي يعيشه. فالإسلام لم يحدّد نوع الطعام، بل تركه للعرف، شرط أن يكون كافيًا ومناسبًا.
- اللباس: يجب أن يشتري الزوج لزوجته الملابس التي تحتاج إليها في الصيف والشتاء، على قدر طاقته.
- السكن: يُعَدّ السكن من أهم أركان النفقة. يجب أن يكون منزل الزوجية صالحًا للعيش، آمنًا، ويوفّر الخصوصيّة.
- العلاج: يجب على الزوج تحمّل مصاريف العلاج والدواء. خصوصًا في الحالات الطارئة أو المزمنة.
- الخدمة عند الحاجة: إذا كانت الزوجة معتادة على وجود من يساعدها في بيتها، وجب على الزوج أن يؤمّن لها ذلك ضمن المعقول.
وتتوسّع بعض الفتاوى الحديثة لتشمل المصروف الشخصي ووسائل التواصل أو النقل إذا كانت ضرورية للحياة اليومية. لأن النفقة تتبع العرف والعصر، لا الزمان القديم وحده.
شروط استحقاق الزوجة للنفقة
لا تُمنح النفقة بشكلٍ مطلق، بل بشروطٍ واضحة نصّت عليها الشريعة والقانون. ومن أهمّ هذه الشروط:

- الطاعة في غير معصية: يجب على الزوجة أن تلتزم بالحياة الزوجية وألا تمتنع عن زوجها بلا سببٍ مشروع. فإذا امتنعت من دون مبرّر، قد تُعتبر “ناشزًا”، وتسقط نفقتها مؤقتًا.
- الزواج الصحيح: لا تستحق النفقة إلا الزوجة التي عقد عليها الزوج عقدًا شرعيًا صحيحًا.
- تمكين الزوج من الحقوق الزوجية: إذا منعت الزوج من نفسها بلا سبب، قد يؤدّي ذلك إلى تعليق النفقة.
- عدم الخروج من المنزل دون إذنٍ شرعي أو ضروري: لأن النفقة تقابل الالتزام بالحياة المشتركة.
ومع ذلك، أكّد الفقهاء أنّ سقوط النفقة لا يعني سقوط الاحترام أو الكرامة، وأنّ القانون المدني ينظر في كل حال على حدة لتقدير ما إذا كانت الزوجة تستحق النفقة أو لا. كما شدّد العلماء على أنّ الزوجة المريضة أو الحامل أو التي تعيش في خطر لا تُعدّ ناشزًا، بل تستحق الدعم والرعاية الكاملة.
متى تسقط النفقة؟ ومتى تبقى واجبة؟
تسقط النفقة الواجبة على الزوج في حالات محدّدة، منها النشوز أو الطلاق البائن، لكن تبقى واجبة في حالات أخرى.
- تسقط النفقة:
- إذا امتنعت الزوجة عن العودة إلى بيت الزوجية بلا عذر.
- إذا رفعت قضية طلاق ولم تثبت الضرر بعد.
- إذا كان الزواج فاسدًا أو غير مكتمل الأركان.
- تبقى واجبة:
- في حال الحمل، حتى بعد الطلاق.
- في فترة العدّة للطلاق الرجعي.
- في حال غياب الزوج أو سجنه طالما لم يُطلّقها.
- إذا كان الزوج مريضًا أو عاجزًا، تظل النفقة واجبة من ماله أو ورثته.
وتشير الدراسات الاجتماعية إلى أنّ كثيرًا من النزاعات الزوجية ترتبط بسوء فهم معنى النفقة وحدودها، حيث تخلط بعض الأسر بين الكرم والتكليف. لذلك، وُضعت هذه الأحكام لتكون واضحة وتحفظ التوازن بين الطرفين.
موقف النظام السعودي من النفقة الشرعية
يستند النظام السعودي في تحديد النفقة الواجبة على الزوج إلى الشريعة الإسلامية بوصفها المصدر الأساس للتشريع. ويُلزم الزوج بالإنفاق على زوجته بما يتناسب مع دخله وظروفه، وبما يحفظ كرامتها واستقرار الأسرة وتقوية الروابط بين أفرادها.

يشمل مفهوم النفقة في المملكة الطعام، واللباس، والمسكن، والعلاج، وكل ما تحتاج إليه الزوجة بحسب العرف ومستوى المعيشة. وينصّ نظام الأحوال الشخصية السعودي لعام 2022 على أنّ الزوج يلتزم بتأمين مسكنٍ مستقلّ، وأنّ الزوجة تملك حقّ المطالبة بالنفقة عبر محاكم الأحوال الشخصية إذا امتنع الزوج عن الدفع أو قصّر في واجبه.
وتبقى النفقة واجبة أثناء العدّة في الطلاق الرجعي، وتسقط فقط في حال النشوز الثابت أو الطلاق البائن. كما تظلّ واجبة للحامل حتى تضع حملها. وتعكس هذه القوانين رؤية المملكة في تحقيق العدالة الأسرية وتمكين المرأة من الحصول على حقوقها الشرعية بسهولة وكرامة.
الخلاصة
تُعدّ النفقة الواجبة على الزوج ركنًا أساسيًا في بناء الأسرة المسلمة، وهي ليست عبئًا بل مسؤولية نابعة من قيم العدالة والرحمة. فالنفقة تحمي الزوجة من الحاجة، وتحفظ كرامتها، وتضمن استمرارية المودّة بين الزوجين. ومع تطوّر القوانين، بات للمرأة الحقّ في المطالبة بحقوقها الشرعية أمام المحاكم، من دون خجل أو خوف، لأنّ الشرع أقرّها لحمايتها لا لإذلالها. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن فوائد الزواج التي ستغيّر نظرتكِ للعلاقة الزوجيّة إلى الأبد!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ النفقة ليست مجرّد مالٍ يُدفع، بل هي رمز للمسؤولية والمحبّة. فالزوج الذي ينفق عن طيب نفس يؤدّي عبادة عظيمة، والزوجة التي تقدّر ذلك تُسهم في ترسيخ الاحترام والسكينة في بيتها. ومن هنا، لا بدّ من تعزيز الوعي بهذه المسألة في المناهج والندوات، لتعرف كل امرأة ما لها وما عليها بوضوح، ولينعم المجتمع بأسَرٍ عادلة، ومتوازنة، تسودها الرحمة والمودّة كما أرادها الله تعالى.
