لا تُعتبَر أسباب ارتفاع ضغط الدم عند النساء بسيطة كما يظنّ كثيرون. فهي نتيجة تفاعل عوامل جسدية ونفسية وبيئية متشابكة تؤثّر في كل مرحلة من حياة المرأة. هذا الاضطراب الصحي لا يُصيب فئة عمرية محدّدة، بل يمكن أن يظهر في الشباب، ويزداد في منتصف العمر، ويتفاقم بعد سنّ اليأس. وفي هذا المقال، سنكشف الحقائق العلمية وراءه، ونفهم أسبابه العميقة، ونتعرّف إلى طرق الوقاية التي تُنقذ حياتكِ من مضاعفات قد لا تتوقّعينها.
سنقسّم الحديث إلى خمس فقرات رئيسية. أوّلًا، نتعرّف إلى الأسباب الهرمونية. ثانيًا، نناقش العلاقة بين الضغط وسنّ اليأس. ثالثًا، نعرض العوامل الأيضية مثل السمنة والمعاناة من السكري. رابعًا، نركّز على التوتر ونمط الحياة. وأخيرًا، نسلّط الضوء على الوراثة وتأثيرها الخفي. بهذه الخطوات، نفهم الصورة الكاملة لـ أسباب ارتفاع ضغط الدم عند النساء كما لم نرها من قبل.
الهرمونات: التوازن الذي يحدّد صحّتكِ
تؤدّي الهرمونات دورًا أساسيًا في تنظيم ضغط الدم. عندما يكون مستوى الأستروجين متوازنًا، تتمدّد الأوعية الدموية بسهولة، ويتدفّق الدم بانسيابية. أمّا عندما ينخفض، كما يحدث قبل الدورة الشهرية أو بعدها مباشرة، يزداد التقبّض في الشرايين، ويرتفع الضغط تدريجيًا.

- تشير دراسة من “Mayo Clinic” عام 2023 إلى أنّ انخفاض الأستروجين يقلّل إنتاج أكسيد النيتريك. وهو مركّب يساعد على توسّع الأوعية.
- كما أنّ تغيّر الهرمونات يؤثّر في الكلية، فتحتبس الصوديوم والماء، ما يرفع الضغط ببطء.
إضافةً إلى ذلك، تُظهر الأبحاث أنّ النساء اللواتي يتناولن حبوب منع الحمل لسنوات طويلة قد يُصبن بارتفاع طفيف في الضغط بسبب التأثير الهرموني المستمر. ومع ذلك، هذا التأثير يختلف من امرأة إلى أخرى، ويعتمد على التاريخ العائلي والعوامل الوراثية.
سنّ اليأس: مرحلة حرجة ومفصلية
في سنّ اليأس، ينخفض الأستروجين بشكل حادّ، وتبدأ أسباب ارتفاع ضغط الدم عند النساء بالظهور بوضوح. فالجسم يفقد أحد أهم العوامل الواقية للشرايين. ومع مرور الوقت، تفقد الأوعية مرونتها، ويزداد خطر الإصابة بالنوبات القلبية.
- أكّدت منظمة “American Heart Association” أنّ النساء بعد سنّ الخمسين أكثر عرضة بمرتين للإصابة بارتفاع الضغط مقارنة بالرجال.
- إضافةً إلى ذلك، تتغيّر طريقة توزيع الدهون في الجسم، فتتراكم حول البطن. ما يزيد خطر الضغط والسكري في الوقت نفسه.
من المهمّ أيضًا ملاحظة أنّ اضطرابات النوم التي ترافق سنّ اليأس، مثل الأرق والتعرّق الليلي، ترفع هرمون الكورتيزول في الدم، ما يزيد انقباض الشرايين ويُسبّب ارتفاع الضغط. لذلك، إنّ الحصول على الراحة والنوم المنتظم في هذه المرحلة ليسا ترفًا بل ضرورة.
العوامل الأيضية: الوزن والسكر والكولسترول
من بين أسباب ارتفاع ضغط الدم عند النساء، تأتي السمنة في مقدّمة العوامل القابلة للتعديل. فالدهون الزائدة تُفرز مواد التهابية تؤثّر في بطانة الأوعية الدموية وتزيد مقاومتها لتدفّق الدم.

- تشير دراسة في مجلة “The Lancet” إلى أنّ النساء اللواتي يعانين زيادة في محيط الخصر أكثر عرضة بمرتين لارتفاع الضغط المزمن.
- كما أنّ ارتفاع السكر في الدم يضعف الأوعية الدقيقة في الكلية، فيعيق توازن الصوديوم والسوائل، فيرتفع الضغط تدريجيًا.
يؤدّي الكولسترول أيضًا دورًا خفيًا. فحين تتراكم الدهون على جدران الشرايين، تضيق المساحة المخصّصة لتدفّق الدم. هذا التضييق يرفع الضغط ويجعل القلب يبذل جهدًا مضاعفًا لضخّ الدم. لذلك، الحمية المتوازنة وممارسة الرياضة المنتظمة هما مفتاحا الوقاية والعلاج.
التوتر ونمط الحياة: العدوّ الصامت
يُعتبَر الشعور بالتوتر المزمن واحد من أخطر أسباب ارتفاع ضغط الدم عند النساء. فهو يدفع الجسم لإفراز الأدرينالين والكورتيزول باستمرار، ما يُحفّز القلب ويشدّ الأوعية. والنتيجة: ضغط دم مرتفع من دون أيّ عوارض واضحة في البداية.
- النساء اللواتي يعملن في وظائف عالية الضغط النفسي، أو اللواتي يعانين من مسؤوليات أسرية متراكمة، أكثر عرضة للإصابة.
- كما أنّ قلة النوم، وقلة النشاط البدني، وتناول الأطعمة الغنية بالصوديوم، تُضاعف التأثير.
لذلك، من الضروري اعتماد نمط حياة صحي:
- المشي يوميًا نصف ساعة على الأقل.
- الابتعاد عن التدخين والكافيين المفرط.
- ممارسة التأمل أو اليوغا لتخفيف الشعور بالتوتر.
- الحفاظ على نومٍ عميق ومنتظم.
تُظهر الدراسات أنّ هذه العادات تخفّض الضغط بنسبة تصل إلى 15 ملم زئبق عند النساء اللواتي يلتزمن بها لمدة 8 أسابيع فقط.
الوراثة: العامل الذي لا يمكن تجاهله
العامل الوراثي أحد العوامل التي تُفسّر أسباب ارتفاع ضغط الدم عند النساء. فبحسب معهد “National Institutes of Health”، النساء اللواتي لديهنّ أقارب من الدرجة الأولى مصابون بارتفاع الضغط أكثر عرضة بنسبة 35٪ للإصابة بالمرض.

تؤثّر الوراثة في طريقة استجابة الجسم للأملاح، وفي مرونة الأوعية، وحتى في إفراز الهرمونات المنظمة للضغط. ومع ذلك، لا يعني العامل الوراثي أنّ الإصابة حتمية. فالأسلوب الحياتي الصحي قادر على كبح هذا الخطر بشكل ملحوظ.
- تناول الخضار الورقية والفواكه الغنية بالبوتاسيوم مثل الموز والأفوكادو يُساعد على موازنة الصوديوم.
- الحفاظ على وزن صحي يقلّل من عبء الوراثة ويُبطئ ظهور الأعراض.
إذًا، الجينات تفتح الباب، لكن نمط الحياة هو الذي يقرّر إن كان المرض سيدخل أم لا.
الخلاصة
في النهاية، يتّضح أنّ أسباب ارتفاع ضغط الدم عند النساء متعدّدة، ومتداخلة بين الجسد والعقل والبيئة. فالتغيّرات الهرمونية، وسنّ اليأس، والسمنة، والتوتر، والعوامل الوراثية كلّها خيوط في شبكة واحدة تؤثّر في صحّة المرأة بشكل مباشر.
الخبر الجيّد أنّ معظم هذه الأسباب يمكن السيطرة عليها بالتغذية السليمة، وممارسة النشاط البدني، والمتابعة الدورية مع الطبيب. فالكشف المبكر، ولو بزيارة بسيطة، قادر على إنقاذ حياة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسرار النظافة الآمنة من تعليمات الوقاية الصحية داخل المطبخ التي تحمي عائلتكِ!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الوقاية هي الخطوة الأذكى التي يمكن للمرأة أن تتّخذها اليوم. فارتفاع الضغط ليس قدرًا مفروضًا، بل نتيجة لتراكمات صغيرة يمكن تفاديها بالوعي والعناية اليومية. الاهتمام بالنوم، وتجنّب التوتر، ومراقبة الضغط بانتظام، ليست تفاصيل ثانوية، بل أسلوب حياة متكامل يحمي قلبكِ وعقلكِ لسنوات طويلة قادمة.