يُتداول دائمًا موضوع الصداع عند الحامل ونوع الجنين بين النساء في فترات الحمل الأولى، حيث تُربط بعض العادات القديمة بين شدة الصداع وجنس المولود. تُقال عبارات مثل “الصداع القوي يعني ولد”، أو “الصداع الخفيف دليل على بنت”. وتنتقل هذه المعتقدات من جيل إلى آخر. لكن السؤال المهم هو: هل لهذه الأقوال أي أساس علمي؟
في هذا المقال، سنناقش أولًا طبيعة الصداع أثناء الحمل وأسبابه، ثم نستعرض النظريات التي ربطت بين نوع الجنين والصداع، ونحلّل ما تقوله الأبحاث الطبية الحديثة حول هذا الموضوع. بعد ذلك، نقدّم شرحًا للآليات الهرمونية المحتملة التي قد تُفسّر الاختلافات، ونختم برؤية علمية واقعية شاملة.
الصداع في الحمل: ما أسبابه الشائعة؟
يُعَدّ الصداع أحد أكثر العوارض المرافقة للحمل، خصوصًا في الثلثين الأول والثالث. يحدث بسبب تغيّرات فسيولوجية عديدة داخل الجسم. ترتفع مستويات الهرمونات، وتتبدّل الدورة الدموية، فيتوسّع بعض الأوعية الدموية في الدماغ. كما أن احتباس السوائل، ونقص النوم، والجفاف، جميعها تؤدّي دورًا مهمًا.

من جهة أخرى، يمكن أن يزيد الصداع عند الحامل بسبب عوامل بسيطة مثل انخفاض ضغط الدم، ونقص الكافيين بعد التوقف عن القهوة، أو الإجهاد اليومي. وأحيانًا يكون السبب طبيًا أكثر خطورة، مثل تسمّم الحمل أو ارتفاع ضغط الدم الحملي، ما يستدعي متابعة طبية دقيقة.
وتشير دراسات طبية منشورة في مجلّة The Journal of Headache and Pain إلى أن نحو ٣٩٪ من النساء الحوامل يعانين من الصداع بدرجات مختلفة. وغالبًا ما يكون صداعًا توتّريًا أو نصفيًا مرتبطًا بتقلّب الهرمونات أو قلة النوم.
هل يحدّد نوع الجنين شدّة الصداع؟
من أكثر المعتقدات شيوعًا أن الصداع الشديد يعني أن الجنين ذكر، وأن قلة الصداع تدلّ على أن الجنين أنثى. ومع ذلك، فالأبحاث العلمية لم تجد دليلًا ثابتًا يؤكّد أن الصداع عند الحامل ونوع الجنين مرتبطان ارتباطًا مباشرًا.
في دراسة نشرتها جامعة كامبريدج عام 2017، فُحصت عيّنة من 300 امرأة حامل، وتبيّن أن شدّة الصداع لم تختلف بين من أنجبن ذكورًا أو إناثًا. أظهرت الدراسة أن السبب الأبرز للصداع هو التقلّبات الهرمونية، وليس نوع الجنين بحدّ ذاته.
كذلك، أكّدت مراجعة في مجلة Frontiers in Endocrinology عام 2020 أن مستويات الهرمونات الأنثوية مثل الإستروجين تؤثر على حساسية الأوعية الدموية في الدماغ. ما يفسّر تغيّر شدة الصداع، لكن من دون أن يكون هناك دليل على علاقة بجنس الجنين.
بعبارة أخرى، لا يمكن استخدام الصداع كمؤشّر على نوع الجنين. بل يجب اعتباره مجرّد عرض طبيعي يتفاوت بين النساء تبعًا لتركيب أجسامهنّ واستجابتهنّ للهرمونات.
التفسيرات الهرمونية وراء الاعتقاد
قد يبدو السبب وراء ربط الصداع عند الحامل ونوع الجنين بنوع المولود مفهومًا شعبيًا نابعًا من ملاحظة التغيّرات الهرمونية. لأن بعض الدراسات تُظهر أن الحمل بذكر يرفع مستويات هرمون التستوستيرون في دم الأم، بينما الحمل بأنثى يزيد إفراز الإستروجين.

لكنّ الأطباء يوضّحون أن هذه التغيّرات لا تصل إلى درجة تُحدث فرقًا ملحوظًا في الصداع. فالدماغ يتأثّر أساسًا بارتفاع عام في الهرمونات بغضّ النظر عن نوعها، وليس بكون الجنين ذكرًا أو أنثى.
علاوةً على ذلك، لا توجد آلية فسيولوجية مثبتة تفسّر كيف يمكن لنوع الجنين أن يؤدّي إلى اختلاف في شدة الصداع أو تكراره. فالعوامل العصبية والوعائية المرتبطة بالصداع معقّدة للغاية، وتشمل مراكز الألم، والأعصاب القحفية، ونواقل عصبية مثل السيروتونين. كل هذه العوامل تتفاعل مع البيئة الهرمونية للأم، لا مع الكروموسومات الخاصة بالجنين.
متى يصبح الصداع خطرًا أثناء الحمل؟
رغم أن أغلب حالات الصداع في الحمل طبيعية، إلا أنّ بعضها قد يكون إنذارًا طبيًا يستدعي تدخلًا عاجلًا. لذلك، من المهم أن تفرّق الحامل بين الصداع العادي والصداع الخطِر.
الصداع الشديد المفاجئ، خصوصًا إذا ترافق مع اضطراب في الرؤية، أو انتفاخ في الوجه، أو ارتفاع في ضغط الدم، قد يشير إلى تسمّم الحمل. وهذه حالة تستوجب تدخّلًا فوريًا. كما أنّ الصداع المستمر الذي لا يتحسّن بالحصول على الراحة أو شرب الماء قد يدلّ على مشكلة وعائية أو عصبية.
ولهذا السبب، تُوصي منظمة الصحة العالمية بمتابعة الصداع المزمن أثناء الحمل وعدم تجاهله. فسلامة الأم هي الأساس، ومعالجة السبب الحقيقي أهم من محاولة تفسيره بناءً على جنس الجنين.
كيف يمكن التخفيف من الصداع أثناء الحمل؟
يمكن للحامل التخفيف من الصداع عبر خطوات بسيطة وآمنة. من المهم شرب كميات كافية من الماء يوميًا لتجنّب الجفاف. كما يُنصح بالحفاظ على مواعيد نوم منتظمة، والابتعاد عن الضوضاء والضوء القوي

الكمّادات الباردة على الجبهة تساعد كثيرًا على تهدئة الألم، وكذلك التدليك اللطيف للرقبة والكتفين. كما يمكن استخدام الزيوت العطرية الخفيفة مثل زيت اللافندر، بعد استشارة الطبيب.
أما في الحالات التي يكون فيها الصداع شديدًا ومتكرّرًا، فيجب مراجعة الطبيب لتحديد السبب ووصف العلاج المناسب، لأن بعض الأدوية قد تكون غير آمنة أثناء الحمل. الطبيب وحده يحدّد ما إذا كان يمكن استخدام مسكّن مثل الباراسيتامول، وفي أي جرعة.
الخاتمة
بعد كل ما سبق، يمكن القول إنّ فكرة أن الصداع يكشف عن نوع الجنين ما تزال مجرّد خرافة متداولة لا تدعمها الدراسات العلمية الحديثة. نعم، تختلف استجابة كل امرأة للتغيّرات الهرمونية في الحمل، وقد يكون الصداع أشدّ لدى البعض. لكنّ هذه الفروقات لا تعكس نوع الجنين بل طبيعة جسم الأم نفسها. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعضرنا لكِ تحاليل الهرمونات للحمل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ انتشار المعتقدات غير العلمية حول الصداع عند الحامل ونوع الجنين يعكس رغبة الأمهات في فهم ما يعيشنه أثناء الحمل. لكنّ العلم يؤكّد أن كل عرض يجب تفسيره في ضوء الطب، لا العادات. لذلك، أنصح كل امرأة أن تتعامل مع الصداع بوعي واهتمام، وأن تتابع حالها مع طبيبها بدلًا من تفسيرها بخرافات لا أساس لها. فالعلم هو الطريق الآمن، والمعرفة الصحيّة هي الحماية الأولى للأم والجنين معًا.