هل يجوز للزوجة ان تنكح زوجها؟ سؤال يتردّد كثيرًا بين النساء، خصوصًا مع التباس المصطلحات الشرعية واللغوية في هذا الموضوع. فبعضهن يعتقد أن كلمة “النكاح” تعني الفعل الجنسي فقط. بينما في أصلها الشرعي واللغوي تحمل معنى أشمل وهو عقد الزواج نفسه. هذا اللبس يجعل القضية تستحق توضيحًا علميًا وشرعيًا مبنيًا على أصول الفقه واللغة.
في هذا المقال، سنقدّم شرحًا مفصّلًا للمعنى اللغوي والفقهي لمفهوم النكاح، ونوضّح هل يصح أن تقول المرأة “أنكحتُ زوجي”، وما الذي أجمع عليه العلماء. كما سنعرض آراء المذاهب الفقهية حول صيغة العقد، مع الإشارة إلى الأحاديث النبوية والآيات القرآنية ذات الصلة. وأخيرًا سنبيّن الحكمة الشرعية من تخصيص بعض الألفاظ للزوج دون الزوجة. مع العلم أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن جواز فعل بعض الأشياء للزوج خلال العلاقة الجنسيّة.
معنى النكاح في اللغة والشرع
من المهم أن نبدأ بالمعنى الصحيح لكلمة النكاح. النكاح في اللغة يأتي بمعنيين: العقد والجماع. وقد استعمل القرآن الكريم هذا اللفظ في الموضعين معًا، مثل قوله تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣]، أي تزوّجوا. وكذلك في مواضع أخرى بمعنى العلاقة الزوجية.
إذًا، عند السؤال: هل يجوز للزوجة ان تنكح زوجها؟ يجب التفريق: إذا قصدنا “العقد”، فالمرأة لا تعقد لنفسها على الرجل، بل وليّها أو من يوكله، وفقًا لما ورد في الحديث الشريف: “لا نكاح إلا بوليّ” [رواه أبو داود والترمذي]. أما إذا قصدنا “الجماع”، فالمرأة لا توصف بأنها “تنكح”. بل الرجل هو من يُنسب إليه الفعل في الاصطلاح الشرعي.
دور الزوجة في عقد الزواج
المرأة ركن أساسي في عقد الزواج، ولا يتم العقد إلا برضاها الصريح. وقد نصّت الشريعة على ضرورة موافقة المرأة، إذ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: “البكر تُستأذن، وإذنها صماتها” [صحيح البخاري]. لكن الصيغة اللفظية للعقد عادةً ما تكون من وليّ المرأة أو من يمثّلها، ويقول: “أنكحتُك” أو “زوّجتك”.
وبذلك فإن عبارة “هل يجوز للزوجة ان تنكح زوجها” من حيث الصياغة الشرعية ليست صحيحة في العقود، لأن المرأة لا تعقد على نفسها مباشرةً في جمهور المذاهب. ولكنها شريكة أساسية بالرضا، ويُشترط إذنها، ويُعتبر زواجها باطلًا إن تمّ إكراهًا.
رأي المذاهب الفقهية
اختلفت المذاهب الأربعة في بعض التفاصيل، لكنهم اتفقوا على أن المرأة لا تعقد النكاح بنفسها:
- الحنفية: أجازوا للمرأة العاقلة البالغة أن تزوّج نفسها من كفء بمهر المثل. لكنّ ذلك رأي منفرد لا يتوافق مع المذاهب الأخرى.
- المالكية والشافعية والحنابلة: اشترطوا وجود وليّ، واستدلوا بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل” [رواه أحمد].
وبذلك فإن جمهور العلماء يميل إلى أن صيغة العقد من حق الوليّ، وليس من حق المرأة أن تقول: “أنكحتُ زوجي”. وهذا يوضّح المعنى المقصود في السؤال الأساسي.
الحكمة الشرعية من هذا التفصيل
قد يتساءل البعض: لماذا لا يُسمح للمرأة أن تقول: “أنكحتُ نفسي”؟ الحكمة الشرعية تكمن في حماية حقها، وضمان أن الزواج يتم وفق شروط واضحة وبحضور شاهدين وعدل. ممّا يحفظ مكانة المرأة ويصون الأسرة.
إضافة إلى ذلك، الصيغة التي وردت في النصوص الشرعية جاءت لتؤكّد على أن النكاح ليس صفقة بين شخصين فقط. بل هو عقد اجتماعي وديني له أبعاد واسعة، ويحتاج إلى ضبط بالألفاظ حتى لا يتحوّل إلى علاقة بلا ضوابط.
لذلك فإن السؤال: هل يجوز للزوجة ان تنكح زوجها يُجاب عنه بأن النكاح عقد شرعي بيد الوليّ أو من ينوب عنه، والزوجة لها شرط أساسي وهو القبول. لكن لا يصحّ أن تعقد لنفسها بلفظ “نكحت”.
بين العلاقة الجنسيّة والمصطلح الشرعي
من المهم التفريق بين الاستعمال العرفي للمصطلح وبين دلالته الفقهية. فلو سُئل: هل يجوز للزوجة ان تنكح زوجها بمعنى العلاقة الحميمية، فالجواب أن العلاقة بين الزوجين مباحة شرعًا في إطار الزواج الصحيح. ولكن في الاصطلاح الشرعي لا يُقال “الزوجة تنكح”، بل يقال “ينكح الرجل زوجته”.
إذًا، المسألة في جوهرها لغوية وفقهية، وليست انتقاصًا من دور المرأة، بل تنظيمًا للمفاهيم وضبطًا للألفاظ حتى لا تختلط المعاني.
الخلاصة
بعد هذا التفصيل يتبيّن أن عبارة هل يجوز للزوجة ان تنكح زوجها تحمل أكثر من وجه. فإذا كان المقصود عقد الزواج، فلا يصح أن تعقد المرأة على نفسها، بل يتم العقد عبر وليّها وبحضور شهود، مع اشتراط رضاها الكامل. أما إذا كان المقصود العلاقة الزوجية، فهي مباحة بين الزوجين في حدود ما أحلّه الله، لكن اللفظ الشرعي لا يُستخدم بهذا الشكل.
إن الفقه الإسلامي يحرص على دقة الألفاظ وصيانة الحقوق، لذلك جاءت النصوص واضحة في تحديد الصيغ المعتمدة للعقود. وما على الزوجة إلا أن تدرك دورها المحوري في القبول والرضا، فهذا ما يضمن لها حقها ويحميها من أي ظلم أو إجبار. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن دعاء الدخول على الزوجة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن السؤال يعكس حاجة ملحّة عند النساء لفهم المصطلحات الشرعية بعمق أكبر. فكثير من الألفاظ تُستخدم بلا وعي بدلالاتها الأصلية، مما يولّد التباسًا قد يفتح بابًا للشبهات. لذلك أنصح كل امرأة بالاطلاع على الأحاديث النبوية وكتب الفقه المبسطة لتفهم دورها وحقوقها كاملة، فلا تخلط بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، وتكون على بيّنة في حياتها الزوجية والدينية.
