يظهر التوتر بين الشريكين منذ اللحظات الأولى عندما تبدأ العلاقة بفقدان دفئها المعتاد. هذا التوتر قد يبدو بسيطًا في البداية، لكنه يتراكم مع الأيام حتى يصل إلى مرحلة يصعب تجاهلها. توضح الدراسات النفسية الحديثة أنّ الشعور بالتوتّر المستمر داخل العلاقة يؤثر مباشرة في الصحة العقلية والجسدية. كما ينعكس على الأطفال وسلوكهم إن وُجدوا.
في هذا المقال، سنتناول الإشارات التي تدل على وجود هذا التوتر، ونشرح كيف يمكن التعرّف إليها قبل أن تتفاقم. سنعرض أيضًا آراء علمية مدعومة بالأبحاث في مجال العلاقات وعلم النفس الأسري، لنساعدكِ على التمييز بين الخلافات الزوجيّة العادية والتوتّر الذي يتطلب وقفة جادة.
صمت يقتل التواصل
أول إشارة واضحة للتوتر بين الزوجين هي غياب الحوار. الصمت المتكرر ليس هدوءًا بل علامة إنذار. فحين يتوقف الشريك عن مشاركة تفاصيل يومه أو مشاعره، يبدأ جدار غير مرئي بالارتفاع بين الطرفين.
تؤكّد الدراسات المنشورة في Journal of Marriage and Family أن ضعف التواصل يُعتبر السبب الأول في تدهور العلاقات العاطفية. غياب النقاش يجعل الخلافات الصغيرة تتراكم لتتحول إلى مشاكل كبيرة. لذلك، حين تلاحظين أن المحادثات أصبحت مقتصرة على الضروريات، فهذا مؤشر على بداية التوتر بين الشريكين.
نقد دائم بلا سبب وجيه
يُعَدّ النقد المستمر واحد من أبرز العلامات التي لا يمكن إهمالها. عندما يتحول الحوار إلى سيل من الملاحظات السلبية على المظهر أو التصرفات، تتراجع المشاعر الإيجابية تدريجيًا، ويحلّ محلها شعور بالرفض وعدم التقدير. هذا النمط من التفاعل يُفقد العلاقة دفئها ويجعل الشريك يعيش في حال دفاع دائم، وكأنّه مراقَب باستمرار.
أوضحت الأبحاث النفسية التي أجراها الباحث “جون غوتمان” على الأزواج أن النقد المفرط أحد العناصر الأربعة المدمّرة للعلاقات. إذ يزرع الاستياء ويزيد المسافة بين الطرفين. كما أن الدراسات الحديثة تشير إلى أنّ النقد المستمر يخلق بيئة عاطفية غير آمنة، حيث يتراجع الإحساس بالثقة المتبادلة ويضعف الاحترام بين الزوجين. وجود هذا النمط بشكل متكرر يدل على أن العلاقة دخلت في دائرة التوتر بين الشريكين. وهي دائرة يصعب كسرها إذا لم يتم التدخل في وقت مبكر من خلال حوار صريح أو مساعدة مختصّة.
انسحاب عاطفي وجسدي
عندما يبدأ أحد الطرفين في الانسحاب، سواء عاطفيًا أو جسديًا، فهذا تحذير جدي لا يجب تجاهله. الانسحاب العاطفي يعني غياب الاهتمام بالمشاعر اليومية، مثل فقدان الحماس في الإصغاء أو التجاهل المستمر لاحتياجات الآخر. أما الانسحاب الجسدي فيظهر بوضوح من خلال التوقف عن اللمسات البسيطة، كالعناق أو مسك اليدين. وصولًا إلى إهمال القرب الجسدي الذي يرمز عادة إلى الأمان والحميمية.
أشارت دراسة في Journal of Social and Personal Relationships إلى أن الانسحاب المتكرر يترك أثرًا عميقًا على الاستقرار العاطفي للطرف الآخر. فالشريك الذي يواجه هذا الانفصال يشعر غالبًا بالوحدة داخل العلاقة، ما يزيد من شعوره بالإحباط ويضعف ثقته بنفسه وبالعلاقة ذاتها. والأسوأ أنّ الطفل الذي يعيش في بيئة يطغى عليها هذا النوع من الانفصال قد يشعر بعدم الأمان العاطفي ويفقد النموذج الصحي للتواصل الأسري.
لهذا، هذه العلامة لا تعكس فقط مشاكل بين الزوجين، بل تهدد البيئة الأسرية ككل. فإذا لم يُعالَج هذا الانسحاب مبكرًا، قد يتطور إلى قطيعة أعمق تجعل إعادة بناء العلاقة أكثر صعوبة.
زيادة الخلافات اليومية
من الإشارات التي يسهل ملاحظتها تحوّل النقاشات الصغيرة إلى شجارات متكررة. قد يبدأ الأمر من تفاصيل بسيطة مثل اختيار الطعام أو ترتيب المنزل، لكنه يتطور ليصبح ساحة صراع دائم.
يؤكّد العلماء النفسيون أن الخلافات اليومية ليست المشكلة بحد ذاتها، بل طريقة إدارتها هي التي تحدد مستقبل العلاقة. إن تحولت هذه الخلافات إلى دائرة متكررة من الاتهامات والصراخ، فهي علامة واضحة على التوتر بين الشريكين.
كما أن تراكم هذه المواجهات يزيد من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول. ما ينعكس سلبًا على الصحة الجسدية للطرفين.
انعكاسات جسدية ونفسية
لا يتوقف تأثير التوتر على الجانب العاطفي فقط، بل يمتد ليترك آثارًا جسدية ونفسية. بعض الأزواج يبدأون بالشعور بصداع متكرر، وتوتر في المعدة، أو اضطرابات في النوم. هذه العوارض ليست مصادفة، بل استجابة جسدية طبيعية لحالة نفسية غير مستقرة.
من جهة أخرى، يزيد التوتر من احتمالية الإصابة بالقلق أو الاكتئاب، وهو ما أكدته دراسة نُشرت في Psychological Bulletin. عندما يتأثر النوم والمزاج العام، تضعف القدرة على التفكير بعقلانية، وتصبح العلاقة أكثر هشاشة.
لذلك، إدراك هذه العوارض والتعامل معها بجدية يساعد على منع تفاقم التوتر بين الشريكين ويعيد التوازن للعلاقة.
الخلاصة
إنّ التوتر بين الشريكين ليس حدثًا عابرًا، بل حال متراكمة تحتاج إلى وعي وانتباه. العلامات التي ذكرناها .من غياب التواصل، والنقد المستمر، والانسحاب العاطفي، وصولًا إلى انعكاساته الجسدية. جميعها إشارات تستحق التوقف عندها. فالمبادرة إلى مواجهة المشكلة بشكل صريح وباستخدام الحوار الفعّال يمكن أن يعيد للعلاقة حيويتها ويمنع انهيارها. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ كيف نعطي بعضنا مساحة بدون ما نبعد؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن التعامل مع التوتر بين الشريكين يتطلب شجاعة في الاعتراف بالمشكلة أولًا، ثم استعدادًا للتغيير من الطرفين. إن تجاهل العلامات المبكرة يجعل الأمر أكثر صعوبة، بينما الوعي والاستعداد للتصحيح يمنح العلاقة فرصة حقيقية للنمو من جديد.
