تُعَدّ الغيرة بين الأزواج موضوعًا يثير الكثير من التساؤلات في العلاقات الزوجية. بعض الأزواج يرونها دليلًا على الحب والاهتمام. بينما يراها آخرون علامة على انعدام الثقة وبداية اضطراب في العلاقة. من الناحية النفسية، تُعَدّ الغيرة انفعالًا طبيعيًا يظهر عندما يشعر أحد الطرفين بتهديد على مكانته العاطفية. لكنّها في حالات أخرى تتحوّل إلى خطر حقيقي يهدد استقرار الأسرة.
في هذا المقال، سنناقش الغيرة من منظور علمي وواقعي. سنتطرّق إلى أسبابها الطبيعية التي قد تكون مقبولة، ثم ننتقل إلى مظاهرها السلبية التي قد تدمّر العلاقة. سنتناول تأثيرها على الصحة النفسية والجسدية للأزواج. وأخيرًا نعرض حلولًا عملية للتعامل معها بطريقة صحية ومتوازنة.
الغيرة الطبيعية: متى تكون مقبولة؟
من المهم أن ندرك أنّ الغيرة في أساسها شعور فطري. علم النفس يصفها بأنها انفعال ناتج عن الخوف من فقدان الشريك. في هذه الحال، قد تكون الغيرة عاملًا إيجابيًا لأنها تعبّر عن الاهتمام وتدل على رغبة في الحفاظ على العلاقة.

أظهرت دراسات في Journal of Social and Personal Relationships أنّ الغيرة المعتدلة تساعد الأزواج على تعزيز التواصل بينهم، وتجعل الطرف الآخر يشعر بقيمته في العلاقة. ولكن، يشترط أن تبقى هذه الغيرة تحت السيطرة، من دون أن تتحوّل إلى مراقبة أو شكوك غير مبرّرة.
إذًا، يمكن القول إن الغيرة بين الأزواج إذا ظهرت بحدود طبيعية، فهي إشارة إلى وجود مشاعر صادقة تدفع الشريك إلى التمسّك بعلاقته.
الغيرة المرضية: متى تتحوّل إلى خطر؟
على النقيض، قد تصبح الغيرة مرضية إذا تجاوزت الحدود الطبيعية. هنا، تتحوّل إلى حال من الهوس بالمراقبة والتفتيش المستمر، ما يؤدّي إلى خلافات متكرّرة.
تُظهر الأبحاث أنّ الغيرة المفرطة ترتبط غالبًا بانخفاض تقدير الذات وباضطرابات القلق. وفي دراسة
أجرتها American Psychological Association، تبين أنّ الأزواج الذين يعانون من الغيرة المرضية يكونون أكثر عرضة للمشاكل الزوجية والانفصال.
في هذه الحال، لم تعد الغيرة بين الأزواج دليلًا على الحب، بل أصبحت سلوكًا سامًا يهدد الاستقرار النفسي ويزرع الخوف بدل الأمان.
التأثيرات النفسية والجسدية للغيرة
من أبرز ما تكشفه الدراسات أنّ الغيرة لا تقتصر على المشاعر فقط، بل تنعكس على الصحة الجسدية أيضًا. يؤدي الشعور بالتوتر الناتج عن الغيرة المفرطة إلى إفراز هرمونات مثل الكورتيزول، والتي ترتبط بارتفاع ضغط الدم وضعف جهاز المناعة.

أمّا من الناحية النفسيّة، فإن الغيرة المبالغ فيها قد تسبّب الاكتئاب والشعور المستمر بالقلق. وهذا ينعكس مباشرة على جودة العلاقة، إذ يبدأ الطرف الآخر بالشعور بالضغط والابتعاد عاطفيًا.
بالتالي، فإن التحكم بالغيرة يصبح أمرًا ضروريًا للحفاظ على السلام النفسي والجسدي لكلّ من الزوجين.
كيف نتعامل مع الغيرة بطريقة صحية؟
لحسن الحظ، هناك استراتيجيات فعّالة للتعامل مع الغيرة بشكل إيجابي. أولًا، يؤدّي الحوار الصريح دورًا أساسيًا. عندما يشارك الزوجان مخاوفهما بصراحة، يقلّ مستوى الشعور بالتوتر ويزداد الشعور بالثقة.
ثانيًا، ينصح علماء النفس بالتركيز على بناء الثقة الذاتية. فالشخص الواثق بنفسه يكون أقل عرضة للغيرة المفرطة، لأنه يدرك قيمته بعيدًا عن المقارنات.
ثالثًا، من المفيد أحيانًا اللجوء إلى الاستشارة الزوجية، خصوصًا إذا تحوّلت الغيرة إلى سلوك متكرر يهدد استمرار العلاقة. يساعد الخضوع لجلسات العلاجية على فهم جذور المشكلة وتعلّم طرق جديدة للتعامل مع المشاعر.
وبذلك، تتحوّل الغيرة من عائق مدمر إلى فرصة لبناء علاقة أكثر نضجًا وتوازنًا.
دور التربية والثقافة في تشكيل الغيرة
لا يمكن إغفال أثر البيئة والتربية في تشكيل طبيعة الغيرة بين الزوجين. فالأشخاص الذين نشأوا في بيئة يسودها انعدام الثقة أو المبالغة في السيطرة، قد يطوّرون أنماطًا من الغيرة المفرطة يصعب التحكم بها في حياتهم الزوجية. في المقابل، فإن التربية القائمة على الثقة والاحترام المتبادل تجعل الفرد أكثر وعيًا في إدارة مشاعره، وأكثر قدرة على ضبط ردود فعله.

كما أن الثقافة المجتمعية تؤدّي دورًا بارزًا، إذ إن بعض المجتمعات تشجّع على الغيرة وتعتبرها رمزًا للفخر. بينما مجتمعات أخرى تراها سلوكًا غير مقبول. إنّ إدراك هذه الجذور يساعد الأزواج على فهم دوافع الغيرة لديهم والتعامل معها بوعي ومسؤولية.
الخلاصة
في النهاية، نستطيع القول إن الغيرة بين الأزواج سيف ذو حدّين. قد تكون طبيعية ومفيدة إذا بقيت ضمن حدود الاحترام والثقة، لكنها تتحول إلى خطر حقيقي إذا تجاوزت تلك الحدود. يكمن الفارق الأساسي في كيفية التعامل معها: إما أن نجعلها دافعًا لتعزيز العلاقة، أو نتركها تتحوّل إلى سمّ يقضي على الحب تدريجيًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن طرق جديدة تقولي فيها “بحبك” بدون كلام.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الغيرة لا يجب أن تُعتبر دائمًا سلبية، فهي تعكس في بعض الأحيان عمق المشاعر وصدقها. لكنّ المقياس الحقيقي يكمن في التوازن. فإذا استطاع الزوجان أن يواجهاها بحوار صريح وثقة متبادلة، فإنها ستصبح أداة لتعزيز العلاقة بدلًا من تهديدها. أما إذا تُركت من دون وعي أو معالجة، فإنها قد تنقلب إلى خطر لا يُستهان به.