زوجك ما بيحكي؟ هذا السؤال يتكرّر في ذهنك كلّما لاحظتِ صمته الطويل وغياب الحوار بينكما. تمرّ العديد من النساء بهذه المرحلة. حيث يتحوّل الزوج من شخص مُعبّر ومتجاوب إلى رجل يفضّل السكوت أو الردود المقتضبة. في أحيان كثيرة، لا يكون السبب رفضًا لكِ أو تجاهلًا، بل يعود لعوامل نفسية واجتماعية وعاطفية قد لا يدركها حتى هو نفسه.
لذلك، في هذا المقال، سنتناول الأسباب العلمية وراء صمت الزوج. ثم ننتقل إلى عرض استراتيجيات ذكية يمكنكِ من خلالها فتح قلبه من جديد. سنعتمد على أبحاث نفسية معروفة وتجارب اجتماعية حقيقية لنمنحكِ أدوات عملية ومجرّبة لاستعادة لغة الحوار بينكما.
افهمي أولًا: لماذا يختار الصمت؟
قبل أن تتّخذي أي خطوة، عليكِ أن تفهمي دوافع الصمت. فالعديد من الرجال لا يتحدّثون كثيرًا ليس لأنهم لا يريدون، بل لأنهم لا يعرفون كيف. وفقًا لبحث نشرته جامعة هارفارد، تختلف طبيعة التعبير العاطفي بين الجنسين. النساء يمتلكن قدرة أعلى على التعبير بالكلام، بينما يعبّر الرجال غالبًا عبر الأفعال أو الصمت. وهذا ما يُفسّر الفروقات السايكولوجية بين الرجل والمرأة.

أيضًا، بيّنت دراسات في علم النفس السلوكي أن الرجل قد يصمت عندما يشعر بالإجهاد، أو الضغط المهني، أو عند مواجهته لمشاكل لا يعرف كيف يعالجها. وقد يكون الصمت أحيانًا نوعًا من الدفاع النفسي، يحميه من الإفصاح عن مشاعر العجز أو الحزن.
فإذًا، عندما تلاحظين أن زوجك ما بيحكي، توقفي لحظة وتأمّلي: هل يمرّ بتحديات مهنية؟ وهل يشعر بأن كلماته لن تُفهم؟. هذه الأسئلة تفتح باب الوعي قبل أي محاولة حوار.
اختاري التوقيت الصحيح للكلام
الزمن عامل أساسي في فتح القلوب. إن أردتِ أن يتكلّم زوجك، لا تفتحي الحديث أثناء انشغاله أو تعبه. بل اختاري وقتًا يشعر فيه بالهدوء والاسترخاء، مثلًا بعد العشاء أو أثناء نزهة قصيرة.
يقول البروفيسور جون غوتمان من معهد غوتمان للعلاقات الزوجية إنّ 70% من محاولات التواصل تفشل بسبب توقيت سيّئ. لذا، إذا شعرتِ بأن زوجك صامت، لا تواجهيه في لحظة شعور بالقلق أو التوتر، بل اخلقي مساحة آمنة ومريحة له. اجعلي حديثك ناعمًا وهادئًا، واختاري جملًا بسيطة مثل: “بحب أحكي معك شوي إذا إنت مرتاح”، بدلًا من: “ليش ما بتحكي شي؟”
بهذه الطريقة، لا يشعر بالتهديد أو الضغط، بل بالحب والاهتمام.
تجنّبي النقد وابدئي بالاحتواء
كثير من النساء يقعن في فخّ النقد عندما يصمت الزوج. تقول إحداهن: “ما بيحكي شي، بس عمري ما بلاقيه مبسوط.” هذه الجملة وحدها كفيلة بإغلاق كل الأبواب. الرجل يحتاج إلى شعور بالقبول أولًا، لا بالمحاسبة.

لذلك، عندما تلاحظين أن زوجك ما بيحكي، استخدمي لغة الحنان بدلًا من اللوم. قولي له: “أنا حدك لو حابب تحكي”، أو “بفهم إنك مش دايمًا قادر تعبّر، بس وجودك بيهمني”. هذه الكلمات البسيطة تخلق مناخًا عاطفيًا مريحًا يجعله أكثر استعدادًا للحديث.
وأثبتت الدراسات في Journal of Marriage and Family Therapy أن الدعم العاطفي غير المشروط يساهم في تحسين التواصل بنسبة 60%. خاصّةً لدى الرجال الذين يعانون من ضغط العمل أو مشاكل الهوية الذاتية.
افتحي مواضيع بعيدة عن المشاكل
إن أردتِ فتح قلب زوجك، لا تبدئي بمشاكل المنزل أو التربية أو الفواتير. الرجل بطبعه يبتعد عن المواضيع التي تحمل ضغطًا أو نقدًا. بدلًا من ذلك، تحدثي معه عن أمور يحبها: الرياضة، والتكنولوجيا، الطفولة، حتى الذكريات المشتركة بينكما.
ابدئي بأسئلة خفيفة مثل: “شو أكتر شي بتحنّ له من أيام المدرسة؟” أو “لو فيك تسافر على بلد بتحبّه، شو بتختار؟”. هذه الأسئلة تفتح أبوابًا غير متوقعة، وتسمح له بأن يعبّر دون قلق.
كلّما شعر أن الحديث لا يحمل تهديدًا أو نقدًا، سيبدأ بالكلام تلقائيًا. ومع الوقت، ستتوسّع دائرة الحوار وتشمل مشاعره وهمومه اليومية أيضًا.
احترمي طريقته في التعبير
ليست كل العواطف تُقال بالكلام. أحيانًا، يُعبّر الرجل عن حبّه وسعادته وقلقه من خلال تصرّفاته. ربما يُصلح شيئًا في البيت بصمت، أو يحضّر لكِ فنجان قهوة من دون أن يقول كلمة. هذه التفاصيل الصغيرة تعني الكثير.

فلو زوجك ما بيحكي، راقبي أفعاله. قد يعبّر من خلالها أكثر من أي كلمات. وفقًا لنظرية الذكاء العاطفي التي طرحها دانيال غولمان، فإنّ الفهم الحقيقي للمشاعر لا يقتصر على الكلمات. بل يشمل تعبيرات الوجه، ونبرة الصوت، ونوعية التصرفات اليومية.
لذلك، امنحيه مساحة ليعبّر بطريقته، ولا تُقيّمي حبّه أو اهتمامه فقط من خلال عدد الكلمات التي يقولها.
الخلاصة
قد تشعرين أحيانًا أن الصمت بينكما بات جدارًا، وأنكِ تحاولين اختراقه من دون جدوى. لكنّ الحقيقة أن الرجل يحتاج إلى بيئة عاطفية آمنة، وإلى وقت يفهم فيه ذاته قبل أن يعبّر عنها. كل ما عليكِ هو الصبر، والتفهّم، واتباع الخطوات الذكية التي تقرّب المسافات من دون فرض أو ضغط.
زوجك ما بيحكي؟ هذا لا يعني أنه لا يحبّك، بل قد يعني أنه ينتظر منكِ طريقة تفتح له قلبه من دون أن يشعر بأنه في اختبار أو تحقيق. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ خطوات عملية لبناء زواج متوازن ومستقر.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن صمت الزوج ليس دائمًا علامة سلبية، بل فرصة للاقتراب منه بطريقة مختلفة. لقد تعلّمتُ أن الاستماع بلطف، وفتح مساحات للحوار البسيط، قادر على بناء جسر من التفاهم يدوم أكثر من الكلمات الكبيرة. الصبر والعاطفة هما المفتاحان، وبدلًا من الإصرار على الحديث، علينا أن نُظهر الاستعداد لاحتواء الصمت أيضًا.