رغم ثقتي بغريزة الأمومة التي لا تخونني إلا أنني لا أنكر اللحظات الصعبة التي تجعلني أشكك بها. ولعلّ أكثر ما يزيد الأمور تعقيداً هي النصائح التي "يُتحفني بها" زوجي! إلى جانب الأمور البسيطة التي تسعد الزوجة الحامل، تحتاج الأم بعد الإنجاب إلى من يخفف عنها وليس من يزيد الضغط النفسي عليها من خلال إشعارها ولو بطريقة غير مباشرة بأنّها "مقصرة" بعض الشيء مع طفلها. إذا كنت أماً، فستفهمين تماماً ما أقصد!
لا أنسى على سبيل المثال اليوم الذي نامت فيه طفلتي أثناء الرضاعة، فتركتها تنام على صدري قليلاً ومن ثمّ نقلتها إلى سريرها. فاستيقظت وبدأت بالصراخ. اعتقدت أوّلاً أنّ السبب قد يعود إلى معاناتها بسبب غازات البطن. لذا، أعطيتها بعض القطرات لعلها ترتاح من الغازات. ولكن الأمر لم ينجح؛ إذ كانت تصرخ وتبكي بشكلٍ أقلقني وجعلني مربكة إلى أن قال لي زوجي وببرودة تامة: "يبدو عليها أنها لا تزال تشعر بالجوع".
بالطبع، إنّه محق! كيف لم يخطر على بالي ذلك؟! كيف لم أتمكن من ملاحظة علامات الجوع لديها؟ فور أن أطعمتها، هدأت ونامت نوماً عميقاً. أمّا أنا، فتلفت أعصابي وأخذت أبكي لأنه كان يتوجب علي معرفة ما تحتاجه.
ظناً منه أنه يُساعدني، قال لي زوجي أنّ حليبي لا يُشبع طفلتي وأنّه يجب علي الإستعانة بالحليب الصناعي لتلبية احتياجاتها المتزايدة. ولكني كنت واثقة وأعلم أنّ حليبي كافٍ؛ فالطبيب نفسه أكّد لي ذلك. وفي النهاية، لا يُمكن لغريزة الأمومة أن تخطئ! ولكنّ زوجي كان مصراً على دعم طفلتي بالرضاعة الصناعية، بقوله لي: "الأمر لا يتعلق بك إنّما بابنتنا".
بعد ليالٍ من السهر والتغيرات الهورمونية، لم أستطع تحمل تلك العبارة: "لا يتعلق بي؟ كل ما أفعله هو لأجل ابنتنا. لم أفكر في نفسي منذ ولادتها. وأنا لن أمانع اللجوء إلى الحليب الصناعي إذا اضطرّ الأمر ولكني أعلم أنّ حليبي يكفيها". ولكن، كيف له أن يعلم ما أشعر به؟! صحيحٌ أنّ نيته كانت المساعدة إلّا أنّ النتيجة فكانت عكس ذلك!
بدلاً من تقديم النصائح في تلك المواقف الصعبة، كل ما تحتاجه المرأة من زوجها هو سماع كلمة "أحبك" أو إشعارها بالتقدير لجهودها وتعبها. أمّا النصائح فتزيد من شعورها بالذنب خصوصاً وأنها تميل بالفطرة إلى الشعور بأنها مهما فعلت، فهي لا تزال "مقصرة" بحق أطفالها الذين ترغب في أن تقدم لهم الأفضل.