وفقًا لدراسة أجرتها صفحتا عائلتي وأطيب طبخة استهدفت 28,000 من الأمهات في العالم العربي ، 87% من المشاركات يشعرن بضغوطات اجتماعية تحثهن على الوصول للكمالية في الأمومة والرعاية الأسرية ، و90% منهن يلقين اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي.
خصّنا أحمد أبو زنّاد – أحد أبرز الشخصيات العربية في مجال الإعلام والإعلان- بتفاصيل دقيقة عن هذه الدراسة التي ستجد فيها كل أم الكثير من المعلومات والنصائح المفيدة لها خلال عمليّة التربية وتحديدا التقصير في الرعاية الأسرية، وما له من تأثير حتمي عليهنّ.
الرعاية الأسرية: كم هائل من المعلومات رغم خصوصيّتها وحميميّتها
أكثر من 70% من النساء اللواتي يبلغن من العمر 15 عامًا أو أكثر هنّ أمهات، أي ما يقارب ملياري امرأة حول العالم لا تفتأ عن تلقي النصائح والمواعظ حول كيفية تربية أطفالها ورعاية أسرتها. في الحقيقة، اشتهرت فكرة الرعاية الأسرية في فترة السبعينات عندما بدأ الكتّاب والإعلام باستخدامها، ومنذ ذلك الحين انطلقت حركة وعظ الأمهات والضغط عليهن للوصول إلى المثالية.
كنتيجة لهذه الحركة، يمكنك أن تجد أكثر من 60,000 كتاب في متجر أمازون عن الرعاية الأسرية، أما إذ قررت أن تتصفح جوجل عن نصائح الرعاية الأسرية السليمة، ستظهر لك حوالي 31,900,000 نتيجة، فالجميع يريد أن يحشر أنفه في التجربة الأكثر خصوصية وحميمية وغريزية التي قد تخوضها أي امرأة حول العالم.
الضغوطات على الأمهّات كثيرة وتزيدها الآراء تعبًا
وبما أنه من الطبيعي لأي امرأة مقبلة على الولادة أن تبحث عن نصائح عن الرعاية الأسرية، يضاعف هؤلاء النساء جهودهن لتصفح الإنترنت والحصول على المشورة في هذا الخصوص، ولكن الإنترنت مكان واسع جدًّا ويحتوي مختلف النصائح المتضاربة والآراء الشخصية وأيضًا آراء خاطئة وغير مبنية على حقائق علمية، لذا من الطبيعي أن يتسبب هذا الكم الكبير من المعلومات التي تتلقاها الأمهات بزيادة الضغط عليهن، علمًا أن تجربة الأمومة والرعاية تحمل ما يكفي من الضغوطات.
علاوة على ما ذكر وفي ظل الفوضى التي يشهدها الإنترنت، لك أن تتخيل النتيجة إن أضفنا إليه عاملًا يزيد الطين بلة، أي مواقع التواصل الاجتماعي المليئة بالفوضى. عندما نتحدث عن هذه المواقع، نحن نتكلم عن العالم الذي عزّز الرغبة في البقاء على اتصال دائم خوفًا من فوات حدثٍ ما لا يشارك الشخص فيه، فأشاع بذلك فكرة الخوف من تفويت الأشياء (Fear of Missing Out: FOMO). وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تضخيم هذا الخوف إذ إنها المكان الذي من خلاله نتصفح صور ومقاطع فيديو لأشخاص يستمتعون بأوقاتهم، فنشعر أن تجاربنا الخاصة ليست سعيدة بما فيه الكفاية. وبهذا، إذا كانت كثرة المعلومات على الإنترنت تزيد من الضغط على الأمهات، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تولد ظاهرة الخوف من التقصير في الرعاية الأسرية لدى الأهل (Fear of Under Parenting FUP) .
ما هو الخوف من التقصير في الرعاية الأسرية لدى الأهل (Fear of Under Parenting FUP)؟
الخوف من التقصير في الرعاية الاسرية هو الشعور بالذنب لأن كل ما أفعله مع أطفالي غير كافٍ، وأنني يجب أن أمنحهم المزيد حتى أتفادى أي تقصير بحقهم. ما يحفز هذا الخوف هو مواقع التواصل الاجتماعي لأننا دائمًا ما نشاهد أباء وأمهات آخرين يمنحون أطفالهم أكثر مما نمنحهم. على سبيل المثال، لطالما شعرت أختي بالسعادة أثناء إيصال أطفالها إلى المدرسة كل صباح، فجميع أفراد العائلة يشاركون في الرحلة الصباحية ويستمتعون بالوقت الذي يمضونه سويًّا يتحدثون ويدردشون، ولكنها عندما شاهدت امرأة أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي تغني كاريوكي مع أطفالها أثناء الرحلة الصباحية، انتاب أختي الشعور بالتقصير وأنها يجب أن تكون أمًّا أكثر مرحًا وأن تدُخل على عائلتها نشاطًا لا تمارسه في العادة. بكل بساطة، شعرت أختي بالتقصير تجاه أطفالها، وازداد الأمر سوءًا عندما فشلت تجربة الكاريوكي في السادسة صباحًا مع ثلاثة أطفال يقتلهم النعاس!!!
نتائج الدراسة الاستقصائيّة الخاصة بصفحتي ” عائلتي” و “أطيب طبخة”
ولا يقتصر الأمر على أختي فحسب، إذ كشف استقصاء أجرته صفحتا عائلتي وأطيب طبخة أن السعي وراء المثالية والخوف من التقصير في الرعاية الأسرية يطالان 87% من الأمهات المشاركات، وكان عددهن 28,000 امرأة من العالم العربي. وبيّن الاستقصاء أن هذا النوع من الضغوطات يقتصر على هذا الجيل بالتحديد لأن الأجيال التي سبقت لم تعاني هذا النوع من الضغوطات.
بالإضافة إلى ما ذكر، ألقت 90% من الأمهات اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي لأنهن يخضن تجارب مشابهة لتلك التي مرت بها أختي، إذ دائمًا ما يشاهدن أمهات أخريات يربين أطفالهن بطريقة أفضل وأكثر مرحًا، مما يعزز لديهن الشعور بالذنب والتقصير، فيتسبب ذلك بتفاقم الضغوطات التي تتعرض لها الأمهات. وتجدر الإشارة هنا إلى أن انتشار ظاهرة الأمهات المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي لا يساهم بالحل، بل يزيد الوضع تعقيدًا.
الأمهّات المؤثّرات ولحظات السوشل ميديا الكاذبة!!
جميعنا يعلم أنه – كي تكون مؤثرًا على مواقع التواصل الاجتماعي – عليك أن تنشر صورًا مثاليّة لنفسك، حتى لو لم تكن هذه الصور صادقة، وندرك جيّدًا أن معظم اللحظات التي يوثقها المؤثرون هي لحظات مفبركة وغير عفوية، وبالطبع لا تعكس إطلاقًا نمط حياتهم الحقيقي. وعلى الرغم من كل ما ذكر، إلا أننا عادة ما تستهوينا صور الأغنياء ونرغب بمشاهدتهم يستمتعون بأوقاتهم كما هو الحال مع المشاهير، ولكن الخطر يبدأ عندما نقارن حياتنا بحياتهم، فتظهر عوارض القلق والخوف من تفويت الأشياء، وهذا هو حال الأمهات اللواتي يشاهدن صفحات الأمهات المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي. هؤلاء النساء المؤثرات يوثقن لحظات كاذبة مع أطفالهن حتى يظهرن بصورة الأم المثالية، بما في ذلك موائد الإفطار الشهية وأعياد الميلاد الأسطورية (التي بالمناسبة تقام لابن عامين لن يتذكر أي منها)، بالإضافة إلى لحظات الخبز والطهي وارتداء ثياب مشابهة والرقص وليالي مشاهدة الأفلام حيث يتصور الجميع تحت بطانية واحدة.
كما نعلم جميعًا، لا ترضى أي أم أن تكون أقل حنانًا وعاطفة مع أطفالها لأن كل امرأة تريد بالغريزة أن تكون أفضل أم على الإطلاق. بناء عليه، من الطبيعي أن تشعر النساء بالذنب والتقصير في الرعاية الأسرية عندما يشاهدن الأمهات الأخريات على وسائل التواصل الاجتماعي يتصرفن بمثالية تامة. بهذا، يشعر 60% من الأمهات في العالم العربي أن حسابات النساء المؤثرات تزيد الضغوطات عليهن للوصول إلى أهداف غير واقعية في تجربة الأمومة.
الأمومة: لم تكن يومًا نشاطًا تنافسيًّا ولن تكون!
في الختام، الأمومة هي تجربة شخصية وحميمة، والأهم من ذلك أنها ليست نشاطًا تنافسيًّا، إذ إن كل امرأة لديها طريقتها الخاصة في أن تكون أمًّا مثالية. وبقدر ما يتذمر الأطفال من أمهاتهم، إلا أنهم يدركون جيدًا أنه ما من أحد في هذه الدنيا يحبهم بهذا القدر من الصدق وبدون أي ذرة من الأنانية، ولهذا فإنهم عندما ينضجون دائمًا ما يصرّحون بأنهم يملكون أفضل أم في العالم.
وهنا أود أن أرسل تحية احترام لكل الأمهات في العالم العربي اللواتي يستخدمن الإنترنت للحصول على نصائح للرعاية الأسرية واللواتي يتصفحن وسائل التواصل الاجتماعي للاستلهام من أمهات أخريات، ولكن حذار السماح للواعظين والمدعين أن يدفعونكن للتشكيك بأمومتكن والشعور بالذنب والتقصير!